الرئيسية الحقائق التاريخ لماذا فتح المسلمون بلاد المغرب العربي بشكل سريع؟

لماذا فتح المسلمون بلاد المغرب العربي بشكل سريع؟

0

لم يكن فتح المسلمون لبلاد المغرب العربي أمرًا سهل، بل كان في غاية الصعوبة وهذا يتضح في المدة التي استغرق فيها الفتح الكامل للبلاد، حيث أن الفتوحات استمرت قرابة السبعين عام بداية من عمرو بن العاص حتى اكتمال الفتح على يد موسى بن نصير عام 88 هجريًا، وتحول البربر من اعتناقهم لديانات عديدة ومتفرقة إلى توحيدهم على الدين الإسلامي الحنيف، وتحولهم هذا كان سريعًا للغاية وذلك بسبب طبيعة حياتهم المعيشية، لأنهم كانوا يشبهون العرب الفاتحين في عاداتهم وتقاليدهم، فحياتهم قبلية ترتكز كل قبيلة في مكان ما من أراضي المغرب العربي، وتوجد عدة أسباب دفعت المسلمين إلى فتح هذه البلاد على الرغم من وعورتها وطبيعة المسرح الجغرافي لها، ولكن الإيمان القوي من قبل المسلمين بالله عز وجل وثقتهم في نصر الله العظيم قد ذلل كل هذه الصعاب، حتى تم فتح البلاد بأكملها وعمت نتائج الفتح العظيم على العالم الإسلامي أجمع.

أسباب فتح المسلمون لبلاد المغرب العربي

لا تحدث الأشياء بدون أسباب، فلكل عمل أسباب الخاصة، وهذا ما فعله المسلمون في فتح المغرب العربي فقد ثمة عدة أسباب دفعتهم للقيام بهذا الفتح العظيم، وحقيقة لم يكن الفتح سهلًا وذلك بسبب وعورة بلاد المغرب العربي، وطبيعة البربر، ودوافع الروم، ولكن بالإيمان القوي والرغبة الجامحة لدي المسلمين جعلتهم يكملون الفتح للنهاية، وأسباب ذلك الفتح هي:

تأمين الفتح الإسلامي لمصر

السبب الرئيسي في فتح المسلمين لبلاد المغرب العربي هو تأمين الفتح الإسلامي لمصر، حيث أنه قد تم فتح مصر كاملة عام 21 هجريًا، وهذا الفتح العظيم يستلزم تأمين حدود البلاد من خطر الدولة البيزنطية الذي كان يقف للمسلمين بالمرصاد، لأنه قد سعت الدولة الإسلامية إلى القضاء على النفوذ الروماني البيزنطي المتواجد في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي، وقد تم بالفعل فتح بلاد الشام ومصر ولم يتبقى سوى المغرب العربي فلذلك لم يكد الفتح يستتب في مصر حتى خرج عمرو بن العاص إلى الحدود الغربية بداية من ليبيا وفتح مدينتي برقة وطرابلس، ثم فتح سرت بدون أية مقاومة تذكر، وبعدها أرسل قائده بسر بن أرطأه لفتح مدينة ودان وذلك لكي يقطع طريق الإمدادات والمساعدات الذي قد يأتي بالإسعافات الأولية من قبل البربر أو الروم.

واستمرت هكذا الفتوحات وتوالى القادة الكثيرين الإشراف على الفتح، وعادة ما كانت تأتي أغلب الجنود المشاركة في عملية الفتح من مصر، ولهذا كان السبب الأول في الفتح هو العامل العسكري المتمثل في تأمين حدود مصر الغربية وخاصة أنه كان لا يفصلها عن بلاد المغرب العربي سوى صحراء، وبتواجد الروم في الشمال الأفريقي يهدد استتباب هذا الفتح.

عملًا بمبدأ نشر الإسلام في بقاع الأرض

عندما كان النبي الكريم موجود على قيد الحياة قد أمر الصحابة بأن ينشروا الإسلام في كل بقاع الدنيا من المشرق للمغرب، لأن الجهاد من فرائض الإسلام وله ثواب عظيم ولذلك نشأت فكرة الدعوة للإسلام بالسلم أولًا، وهكذا سار الصحابة والتابعين على نفس هذا المنوال وبدأت سياسة الفتوحات تزداد بصورة رهيبة قد أذهلت العالم أجمع، ففي غضون قرن واحد كانت تصل رقعة الدول الإسلامية من أقاصي شبه جزيرة أيبريا إلى أقصى شرق آسيا، ولذلك وأثناء فتح المغرب العربي كانت تزرع في قلوب المجاهدين تطبيقهم لأقوال النبي في نشر الإسلام في كل بقاع الدنيا، مما ألهب هذا حماسهم وجعل لديهم طاقة رهيبة في صد الكفار وردعهم، وهكذا سارت عملية الفتح في سرعة جيدة المستوى حتى أتمها الله عليهم قبيل العام التسعين من الهجرة.

صرف طاقة المسلمين الجدد في حركة الدعوة الجهاد

حركة الفتوحات الإسلامية الكبيرة التي حدثت وطالت قارات العالم القديم أجمع لم تكن ارتجالية أو وليدة الحظة وبالصدفة، بل سارت وفق خطة موضوعة من قبل النبي الكريم وسار على نهجها الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وذلك لكي تتسع رقعة الإسلام وتصل نفحات الإيمان إلى قلوب أكبر قدر من الناس، وهذه الفتوحات قد تمت في سرعة رهيبة وغير معهودة من قبل، وذلك لأن الإسلام دين يتميز بالعالمية ومواكبته لكل عصر وزمان، مهما كانت الأجناس والألوان والألسنة وذلك تطبيقًا لقوله تعالي “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، ومن ناحية البلدان التي فتحت فقد كان هذا الفتح لها بمثابة تخليصهم من الظلم والطغيان والتهميش الذي كان يفعله المستعمر بهم، وهذا ما كان حدث بالفعل في بلاد المغرب العربي، فقد كان الروم ينكلون بهم أشد تنكيل حتى أتى إليهم الإسلام وخلصهم من ذلك الاضطهاد والتعذيب، ولذلك وفي ظل هذا التسامح الديني والأخلاقي اتسعت رقعة الإسلام حتى شملت حدوده من الصين شرقاً إلى الأندلس وجنوب فرنسا غربًا، وهكذا دخل الإسلام قارات العالم القديم في آسيا وإفريقيا وأوروبا وهذا بفضل صرف طاقة المسلمين الجدد في الدعوة والجهاد في كل ربوع الأرض.

طغيان الاحتلال البيزنطي في المغرب العربي

كان طغيان الاحتلال البيزنطي المتواجد في بلاد المغرب العربي أحد الأسباب الهامة للفتح، حيث أنه قد عاش أهل البلاد في ظلم وتعسف وطغيان قرونًا طويلة، وكانت تحدث الكثير من الحروب بين البربر والروم، ولذلك لم يتوغل الرومان كثيرًا في أراضي المغرب العربي، بل تواجدوا في السواحل والثغور ويرسلون جنودهم كل شهر لجباية الضرائب الفادحة التي كانت تفرض على البربر، ونظير هذه المعاملة السيئة والتعسف والظلم الكثير الذي كان يقع على عاتقهم، كان البربر يتطلعون للخلاص من هذا الحكم الجائر على يد المسلمين الذي سمعوا عن معاملتهم الحسنة للبلاد المفتوحة بجوارهم، وذلك يفسر انضمامهم سريعًا تحت لواء عمرو بن العاص في استكمال مشوار الفتح الذي بدائه، وهكذا تعاون بربر لواته وبربر البتر جميعًا للقضاء على الحكم البيزنطي وإخضاع بربر البرانس للإسلام.

توافر المناخ اللازم للقضاء على الروم

لكي يتم الفتح بسلام وسريعًا كان لابد من تواجد مناخ جيد في أراضي المغرب العربي للقضاء على الروم وطردهم من المغرب، وهذا المناخ كان يتمثل في عدة عناصر وهي، أولًا المعاناة الشديدة التي كان يلقاها البربر من الضرائب الفادحة التي كانت تفرض عليهم من قبل الروم، ثانيًا رفض البربر لنظام الاحتكار الذي كان يفرض على الأراضي الزراعية وتحويلهم من ملاك أصليين إلى مأجورين، ثالثًا ظهور الكثير من الاضطرابات وذلك بسبب سوء الإدارة البيزنطية وتدني أحوالها، رابعًا وحشية القادة الرومان في معاملة البربر وأخذ أملاكهم وأراضيهم بالقوة الجبرية، خامسًا ازدياد حدة الصراع المذهبي ومحاولة فرض مذهب موحد على بلاد المغرب العربي.

سادسًا كثرة الثورات البربرية على الحكومة الرومانية وصدها بكل عنف وقسوة، سابعًا توتر أحوال الدولة البيزنطية حيث انفصل القائد الروماني جرجير عن الحكم البيزنطي الرئيسي، واتخذ من سبيطلة في تونس مركزًا ومقرًا له وذلك بدلًا من قرطاجنة وقد حدث ذلك الصراع عام 649م، ثامنًا فقدان قوة ومكانة الدولة البيزنطية في العالم وذلك بعد موت القائد جستنيان عام 656م، وبعدها دخلت الدولة البيزنطية في حروب متواصلة مع الفرس الذين بدأوا في إضعافهم والانتصار عليهم كثيرًا.

وجود قادة عظماء على رأس الجيوش

مرت عملية الفتح بعدة مراحل خلال سبعين عام وكانت الجيوش الإسلامية تذهب للفتح في حملات متفرقة على رأس كل منها قائد عظيم، ففي البداية كان عمرو بن العاص هو قائد أول حملة استطلاعية لبلاد المغرب العربي ومع قائده بسر بن أرطأه، فعمرو هو صحابي جليل وكان من دهاة العرب وبارع في القتال مما سهل وجوده عملية الفتح، ثم يأتي في المرحلة الثانية عبد الله بن أبي السرح ومعاوية بن حديج السكوني وهي مرحلة الإعداد والاهتمام بالفتح، ثم في المرحلة الثالثة جاء عقبة بن نافع الفهري وهو له مناقب عديدة وحروب طويلة فهو من أشجع فرسان العرب ونظرًا لمشاركته الطويلة في فتح المغرب العربي لقب بفاتح إفريقية، ثم أبي المهاجر دينار وزهير بن قيس البلوي.

ثم نأتي للمرحلة الرابعة والأخيرة وفيها جاء حسان بن النعمان على رأس جيش كبير تجاوز الأربعين ألف محارب وهو عدد كبير مقارنة بالأعداد التي كانت ترسل من قبل، وهذا نظرًا لما قاله الخليفة عبد الملك بن مروان في حقه أنه لا يعلم أحدًا اجدر بإتمام فتح المغرب العربي سوى حسان بن النعمان فلذلك أرسل معه ما يلزمه من العدة والعتاد، وأخيرًا جاء موسى بن نصير وهو من انجح القادة العسكريين في الدولة الأموية وبفضله بعد إرادة الله عز وجل تمكن من توطيد الحكم الإسلامي في المغرب العربي، ثم انتقل إلى الأندلس واستطاع فتحها مع قائده طارق بن زياد، وهذا الإنجاز الكبير يحسب له بكل تأكيد، ولذلك يعد قادة الفتح الإسلامي للمغرب العربي هم من أسباب فتحها بكل هذه السرعة.

تحالف سكان المغرب العربي مع المسلمين

من العوامل الهامة التي ساهمت في فتح المغرب العربي هو انضمام الكثير من القبائل البربرية تحت لواء الفتح الإسلامي، وذلك نظرًا لما كانوا يلقونه من تعسف وجور من قبل البيزنطيين وخاصة بربر لواته والبتر، ولذلك كانوا يحلمون كثيرًا لدخول المسلمين لنجدتهم مما كانوا فيه نظرًا لما كانوا يسمعونه من أقاويل حسنة عن الجيوش الإسلامية في المناطق المجاورة، وعندما علموا بقدوم المسلمين تجهزوا بأسلحتهم للدخول في صفوف الجيوش الإسلامية، ولكن كان يوجد بربر البرانس وهم أهل الحضر والمدن وقد كان أغلبهم يميل للجانب البيزنطي لما كانوا يلقونه من بعض الحسن والأموال من البيزنطيين، هذا بجانب عدم قبولهم لمستعمر جديد يدخل أرضهم ويتحكم فيهم ويفرض عليهم جزية وهكذا، ولكن هذه الأمور تغيرت تمامًا بعدما رأوا الجانب الحسن واللين من أهل الإسلام حتى انضموا للمسلمين وشاركوا بصورة لا بأس بها في إتمام الفتح ثم الخروج للأندلس.

ختامًا

كانت هذه هي العوامل الرئيسية لفتح المسلمون لبلاد المغرب العربي الكبير، وحين ندقق النظر في هذه العملية نجد أن الفتح كان نصرًا مؤزرًا للبربر مع المسلمين أيضًا، حيث أن البربر كانوا يلقون الكثير من العذاب والجور والظلم من قبل الروم، وكما هو معروف فالظلم لا يطول كثيرًا، ولذلك اخرج الإسلام البربر من الظلمات إلى النور وجعلهم هم قادة الفتح الإسلامي فيما بعد، فلا ننسى دور طارق بن زياد البارز في فتح الأندلس حيث دخل الأندلس بأمر من موسى بن نصير، وبذلك أعز الله الإسلام بالبربر.

الكاتب: أحمد علي

Exit mobile version