الرئيسية الفن لماذا يعتبر فيلم الجزيرة أنجح فيلم في تاريخ مصر؟

لماذا يعتبر فيلم الجزيرة أنجح فيلم في تاريخ مصر؟

0

طبعًا لا جدال على أن فيلم الجزيرة لا يُعتبر فقط فيلم ناجح في تاريخ مصر السينمائي، وإنما هو أيضًا نقلة جديدة في صناعة الأفلام المصرية والعربية بشكلٍ عام، فلا خجل من أن نعترف بأن العرب مُتأخرين بعض الشيء في مجال الصناعة السينمائية، لكن ما حدث في صناعة هذا الفيلم أدى إلى حمل الصناعة بأكملها إلى منطقة أخرى ربما لم تطرق لها من قبل، وبالمناسبة، ذلك الاعتراف الساحق بناجح الفيلم ليس فقط اعترافًا مصريًا، وإنما عربيًا وعالميًا، وهو أمر لا يُمكن أن يغيب أبدًا عن أذهان أولئك الذين تمرسوا في هذه المهنة ويعلموا جيدًا خباياها ومقاييس النجاح بها، بيد أن المُتفرجين الهواة، والذين يتفقون أن هذا الفيلم ناجح بكل المقاييس، ربما لا يعرفون بعد تلك العوامل والأسباب التي قادت إلى هذا النجاح الكبير، ولذلك، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على إجابة هذا السؤال ونقترب أكثر من ملحمة سينمائية لا زال صداها يتردد حتى الآن، ملحمة فيلم الجزيرة.

تجسيد الفيلم لقصة حقيقية شهيرة

السبب الأول والأهم في نجاح فيلم الجزيرة أنه كان في الأصل تجسيدًا لقصة حقيقية شهيرة شغلت المجتمع المصري لفترة طويلة، وهي قصة المارق عن القانون منصور الحفني، ذلك الشخص الذي استولى على قرية بأكملها وبدأ في توسيع تجارته في السلاح والمخدرات بدعم خفي من الحكومة، أو بعض الضباط الفاسدين تحديدًا، تلك القصة، والتي انتشرت مع بداية الألفية الثالثة، كانت ثرية بحق ومليئة بكل التفاصيل السينمائية الممكنة، والتي تقول بوضوح أنها في حالة نقلها على الشاشة فسوف تُحقق نجاحًا كبيرًا، وهذا ما انتبه إليه فريق عمل الفيلم وقاموا بتنفيذه على أكمل وجه، والحقيقة أنه حتى أولئك الذين لم يكونوا على دراية بالقصة الحقيقية للفيلم أرادوا بكل تأكيد أن يشاهدوا الفيلم ليلتقطوا صورة مقربة للحقيقة.

القصة الحقيقية لهذا الفيلم تحمل ما يزيد عن تسعين بالمئة من الأحداث والتفاصيل التي تم عرضها بشكل سينمائي، بمعنى أنه لم يتم تحريفها بدرجة كبيرة، لكن مع ذلك لم يلتزم الفيلم بنفس النسق في الجزء الثاني له، والمعروض كما ذكرنا في عام 2014، لكنه بقي متربعًا بكل تأكيد على عرش أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية وأكثرها من حيث الإيرادات حتى موعد العرض أكتوبر 2014.

تمتع الفيلم بفريق ممثلين من الدرجة الأولى

طبعًا من المعروف عن السينما المصرية أنها تحب كثيرًا فكرة البطل الأول أو الأوحد، تلك الفكرة التي تجعل الممثلين يحملون الفيلم بأكمله على عاتقهم ويكونون المتصدرين للمشهد، وبالتالي فإن الجمهور عندما يذهب إلى قاعات السينما من أجل قطع التذكرة فإنه يفعل ذلك من أجل هذا النجم، وهذا ما يضعنا أمام معضلة عدم تفضيل البعض لنجم معين وبالتالي الامتناع عن الذهاب لفيلمه، لكن في فيلم الجزيرة لم تكن هذه المشكلة موجودة بالمرة، إذ أن الجمهور عندما ذهب إلى قاعات السينما وجد أمامه أفيش لفيلم يحمل أسماء نجوم كبار مثل محمود ياسين وأحمد السقا وخالد الصاوي وهند صبري ومحمود عبد المغني وباسم سمرة، والكثير من النجوم الآخرين الذين يكفي كل واحد منهم لحمل فيلم كامل بمفرده.

الفريق المميز جدًا لهذا الفيلم تم الترتيب له من الناحية الإنتاجية بأفضل صورة ممكنة، فالمنتج عندما يعرف بأنه قد أحضر فريق تمثيل كبير فإنه لن يُمانع أبدًا في إنفاق الكثير من الأموال على إنتاج الفيلم نفسه وتكاليف التصوير، ولذلك خرج الفيلم تحفة حقيقية جذبت جمهور السينما إليه، ثم بعد ذلك جاء دور مشاهدي المنازل الذين شاهدوا الفيلم لأول مرة في التلفاز وأصبح كذلك ضمن قائمة الأفلام المفضلة بالنسبة لهم.

كتابة الفيلم بواسطة ثلاثي من الشباب الواعد

ربما يعتقد البعض أن فيلم بهذه الأهمية وذلك القدر الكبير من الشهرة والانتشار بالتأكيد قد مر على أيادي كتاب مخضرمين لهم باع طويل في الكتابة السينمائية، لكن المفاجأة أن الثلاثي الذي كتب هذا الفيلم كان يخوض تجربته الأولى أو الثانية على الأكثر في عالم الفن، والمفاجأة الأكبر من هذه أن الثلاثي في الأصل إخوة، وهم محمد دياب وخالد دياب وشرين دياب، فعلى الرغم من أن هؤلاء الثلاثة قد كتبوا الفيلم سويًا إلا أن العمل قد خرج في النهاية مُتماسكًا وكأنه قد كُتب بواسطة كاتب واحد، وأيضًا لابد من الإشارة إلى أن الثلاثي كان لا يتجاوز الثلاثين من عمره وقت كتابة الفيلم، لكن ربما لأنهم درسوا الكتابة والإخراج في الولايات المتحدة الأمريكية ومنبع الإبداع هوليود فقد تمكنوا من أخذ الفيلم إلى المنحنى العالمي، سواء في كتابة المشاهد العادية أو مشاهد الأكشن بالذات، والتي يُعتبر تنفيذها قصة رائعة أخرى.

تنفيذ مشاهد أكشن عالمية لأول مرة بمصر

نبقى مع الأسباب التي تجعل من فيلم الجزيرة أحد أفضل الأفلام المصرية وأهمها في التاريخ وليس فقط الألفية الثالثة، وذلك السبب الذي نتحدث عنه هنا يتعلق بواحدة من المشكلات التي طالما واجهت صناعة السينما المصرية، وهي تنفيذ مشاهد الأكشن باحتراف ودقة، فتقريبًا أغلب هذه المشاهد التي تضمنتها الأفلام من تلك النوعية كانت تخرج في صورة باهتة تكاد تنتقص من قيمة الفيلم ولا تضيف له كما هو المطلوب، على الرغم من أن الفيلم نفسه قد يكون جيد وقصته رائعة، لكن مشاهد الأكشن عنصر هام جدًا بكل تأكيد، وهذا ما فعله مخرج الفيلم شريف عرفة عندما استطاع تنفيذ المشاهد الموجودة في الفيلم بطراز عالمي، وخاصةً في الجزء الثاني من العمل الرائع هذا.

مشاهد الأكشن التي تم تنفيذها في فيلم الجزيرة لم تكن تقليدية، بمعنى أنها لم تكن مجرد شجار بين لص أو عصابة وحكومة أو شيء عمومًا من هذا القبيل، بل كانت مشاهد حربية صعبة التنفيذ وبها قدر كبير من الصعوبة، تلك الصعوبة المتواجدة أساسًا لعدم تعود صناعة السينما المصرية أو العربية على مثل هذه المشاهد، ولذلك فإننا عندما نجلس ونُعدد الإنجازات والأسباب التي أدت لتخليد الفيلم حريٌ بنا أن نذكر هذا السبب بكل تأكيد.

تجسيد صراع السلطة والمجرمين بشكل مُختلف

طبيعة البشر بكل تأكيد أنهم يحبون الاختلاف ويُريدون رؤيته في كل شيء حولهم، حتى ولو كان ذلك الشيء مجرد عمل سينمائي، ففي النهاية هذا العمل إن كان تقليديًا فلن يحوز غالبًا على إعجابهم، وهذا من نجح فيلم الجزيرة في تنفيذه، أن يكون غير تقليدي بالمرة، وذلك من خلال تجسيد صراع السلطة والمجرمين بشكل مُختلف تمامًا عن المعتاد، فالمسألة غالبًا ما تكون مطاردة من ضابط شريف للص، ويُمكن أن يكون الفيلم متناولًا للص على أنه البطل أو الضابط على أنه البطل، في النهاية هذه هي الصورة التقليدية المُعتادة، لكن نجاح فيلم الجزيرة أنه منح لكل طرف من الطرفين ميزة، ثم جعل المناورة بينهما تأخذ منحنى غير مطروق من قبل ربما في السينما العالمية بأكملها، وذلك المنحنى يتمثل في استيلاء اللص على قرية أو مكان كبير وفصله عن الدولة ومنعها من الاقتراب منه.

الفيلم أيضًا جعل لكل طرف من أطراف الصراع نقاط ضعف، وجعل نقاط الضعف هذه سببًا في تساوي القوى بين الطرفين، حتى نهاية الفيلم في كلا الجزأين لم توضح لمن كانت الغلبة، وهذه رسالة واضحة تقول بأنه ما دام أطراف اللعبة غير مستويين فإن الانتصار لن يكون حليفًا لأحدهما، وهو أمر بكل تأكيد لم نعتد أبدًا على تناوله في أعمالنا من قبل.

تواجد فيلم الجزيرة على جزأين مُتكاملين مُتماسكين

لا ننسى أيضًا أن نتعرض لسبب من أسباب نجاح الفيلم وهو في نفس الوقت سبب بديهي تمامًا ويتعلق بشكل كبير بفطرة الإنسان، فقد أثبت التاريخ السينمائي أن نسبة لا تقل عن تسعين بالمئة من الأفلام التي صدرت على جزأين أو أكثر كانت في الأصل أفلام ناجحة، وهو ما يتضح طبعًا من كونها قد جاءت أصلًا على جزأين، فما دمت قد أنتجت جزء أول غير جيد فإن العقل يقول أنك لن تُقدم على إنتاج جزء ثانٍ ليُنافس الأول في الفشل، وإنما نقيض ذلك هو المنطقي، وفي فيلم الجزيرة بالذات فإن الجمهور قد تلقى الجزأين بنفس الحفاوة والترحاب والإقبال الجماهيري، فقد قلنا أنهما كانا الأكثر من حيث الإيرادات حتى تاريخ إنتاجهما، بعد ذلك بالتأكيد ظهرت أفلام تفوقت في الإيرادات لكنها لم تتفوق في الأفضلية.

الجزء الأول من فيلم الجزيرة صدر في عام 2007، والبعض يقول إن المُنتج وفريق العمل بأكمله لم يكون طامحين على الإطلاق في جزء ثانٍ، على ما يبدو أنهم قد اكتفوا بنجاح الجزء الأول، لكن فيما بعد، ومع رؤية ذلك النجاح الساحق، ومع وجود نهاية تقبل فعلًا بوجود جزء ثاني، تم إنتاج هذا الجزء في عام 2014، وبميزانية تتضاعف عن ميزانية الجزء الأول، لكن مهما كانت الميزانية فإن أرباح الفيلم تمكنت من تغطيتها بأريحية كاملة.

توهج أحمد السقا في هذه الفترة بشكل كبير

ذكرنا من قبل أن فريق العمل الخاص بالفيلم كان سببًا مباشرًا من أسباب نجاحه الكثيرة، لكن إذا أردنا ذكر شخص واحد من هذا الفريق وجعله البطل الذي يُمكن القول إنه قد حمل العمل على أكتافه فإن النجم أحمد السقا بالتأكيد سيكون هذا الشخص، حيث أنه خلال هذه الفترة، وهي عام 2006 و2007، كان متوهجًا بدرجة كبيرة، وكان معروفًا طبعًا بأفلام الأكشن التي ربما لم يكن ثمة نجم سينمائي آخر مُتخصص بها غيره، فقد كان فيلم تيتو وحرب إيطاليا وأفريكانو، والتجارب الأخيرة له بشكل عام، تدل وبشدة على أنه نجم أكشن من الطراز العالمي، وبالمناسبة، من يستحق الشكر في ذلك هو المخرج شريف عرفة الذي قام باختيار السقا وأسند له الدور في الوقت الذي كان أي شخص آخر بخلافه سوف يبدو غير مُناسبًا بالمرة، لكنها اختيارات مُخرج، وهي قادرة بالطبع على تدمير فيلم وإنجاح آخر.

بعد هذا الفيلم تم تصنيف أحمد السقا ووضعه في مكانة أخرى جعلته نجم مصر الأول لفترة طويلة، وبكل تأكيد أثر نجاح فيلم الجزيرة على باقي أفلام السقا فيما بعد، حيث يُمكن القول إن ذلك الفيلم كان أشبه بالضامن لنجاح هذه الأعمال، والجمهور بلا مبالغة كان يذهب إلى شباك التذاكر في كل مرة ويقطع التذاكر فقط من أجل رؤية بطل فيلم الجزيرة مجددًا، وما زال الطموح حتى الآن بأن يتواجد فيلم مصري عربي آخر يُشبه فيلم الجزيرة أو يقترب منه.

Exit mobile version