شهور العِدة التي أوجبها الله -عز وجل- على المرأة في حالة الطلاق أو وفاة الزوج من الأمور المُسلم بها في الشريعة الإسلامية، حيث وردت صراحة في نصوص القرآن الكريم كما وردت بأكثر من حديث من أحاديث النبي الأمي عليه الصلاة والسلام، ومنذ عقود يتساءل العامة والفقهاء عن الأسباب التي توجب التزام المرأة بانقضاء شهور العدة قبل تكرار تجربة الزواج، ليس بدافع التشكيك وإنما بدافع معرفة الحكمة من وراء هذا، إذ أن المولى عز وجل لم يُحل أو يُحرم أمر من الأمور إلا لحكمة، وأثبت العلم الحديث أن كل المُحرمات في الدين الإسلامي كانت لصالح العبد مثل تحريم الخمر أو تحريم الميسر وغير ذلك، فترى ما الحكمة من وجوب انقضاء فترة العدة قبل زواج المرأة من رجل آخر، وما الذي جاء به العلم في هذا الصدد؟
الحكمة من شهور العدة :
تناول الفقهاء وكذلك العلماء مسألة شهور العدة بالبحث والتحليل بهدف التعرف على الحكمة منها، وقد توصلوا لعدة أسباب توجب انقضاء عدة النساء قبل الإقدام على الزواج مرة أخرى، ومن أهمها الآتي:
منع اختلاط الأنساب :
أول أسباب إلزام المرأة بانقضاء فترة شهور العدة قبل تكرار الزواج هو منع حدوث اختلاط الأنساب، وهو الأمر الذي عانى الغرب منه لفترات طويلة قبل التوصل إلى تقنية تحليل المادة الوراثية DNA التي من بين استخداماتها إثبات النسب إلى الآباء، أما سبب عدم شيوع مثل هذه الأمور في الدول العربية هو أن الإسلام قد أوجد الحل المثالي لذلك منذ قرون والذي يتمثل في شهور العدة المقررة على المرأة، حيث أن من المستحيل ألا تظهر آمارات الحمل على المرأة خلال فترة العِدة والتي تدوم إلى الولادة في حالة وجود الحمل.
يرى البعض أن لا حاجة من شهور العدة في العصر الحديث نظراً لاكتشاف وسائل متطورة تعمل على كشف الحمل، وبالتالي يمكن إجراء الكشف في خمس دقائق ومن ثم يصبح بإمكان المرأة الزواج، وهؤلاء مردود عليهم بأن اختبارات الحمل لا تأت دائماً بنتائج قاطعة خاصة إذا كان الحمل في أول مراحله، بالإضافة إلى أن منع اختلاط النسب لا يمثل كامل الحكمة من هذا التشريع.
إتاحة فرصة الصلح :
الأصل في تشريع الزواج دوامه حفاظاً على قوام الأسرة والمجتمع ككل، ورغم تشريع الطلاق إلا أنه يُعد أبغض الحلال ويفضل عدم اللجوء إليه إلا في حالات الضرورة وعند استحالة العشرة بين الطرفين، ويرى بعض الفقهاء أن هذه فائدة أخرى من تشريع شهور العدة التي تمنع المرأة من الزواج قبل فترة، حيث أن ذلك يتيح الفرصة للطرفين لإعادة حساباتهم بروية وهدوء لعلهم يعدلون عن قرارهم.
استبراء الرحم :
كشف العلم أن البصمة الوراثية مثل بصمة الأصابع تختلف من شخص لآخر، وبناء على ذلك فأن السائل المنوي لكل رجل يحمل بصمة وراثية مختلفة، وقد ثبت علمياً أن استقبال رحم المرأة لأكثر من بصمة وراثية في ذات الوقت يزيد من احتمالات تعرضها للعديد من المخاطر الصحية والأمراض الجنسية، كما أكدت أبحاث أخرى أن الفترة التي يستغرقها زوال تلك البصمة الوراثية هي نفس الفترة المحددة لـ شهور العدة مما يجعل استبراء الرحم أحد أوجه الحكمة من هذا التشريع الإسلامي.
زوال الأثر النفسي :
بقي سؤال واحد يحير العلماء فيما يخص تشريع شهور العدة للنساء، وهو: لماذا عدة المرأة الأرملة أطول من عدة المرأة المُطلقة؟، وإجابة هذا السؤال جاءت بها تقارير الأبحاث والدراسات العلمية التي تناولت الأمر، حيث وجد العلماء أن الحالة النفسية للمرأة تتحكم في مدى ارتباط جسدها بالبصمة الوراثية الذكورية الموضوعة بداخلها، وبناء على ذلك فأن المشاعر السلبية التي تنتاب المطلقة تساعدها على الخلاص من البصمة الوراثية الذكورية بصورة أسرع، في حين أن جسم المرأة المطلقة يكون أكثر تمسكاً بالبصمة الذكورية الخاصة بزوجها بفعل الاشتياق والحزن، إذ أن المرأة بطبيعتها تمتاز بالعاطفة القوية، وبالتالي لابد أن يكون هناك اختلافاً في مشاعرها بين الرجل الذي تركها بتطليقها وبين الرجل الذي خسرته بوفاته.