الرئيسية الحقائق السياسة لماذا حدث تفكك الاتحاد السوفيتي رغم قوته الاقتصادية والعسكرية؟

لماذا حدث تفكك الاتحاد السوفيتي رغم قوته الاقتصادية والعسكرية؟

0
تفكك الاتحاد السوفيتي

تفكك الاتحاد السوفيتي هو الحدث العالمي الذي تم الإعلان عنه في 26 ديسمبر 1991، ويُقصد به الإشارة إلى إنهاء التواجد القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية وحَلّ رابطة الدول المستقلة محله، وجاء ذلك بالتزامن مع تولي بوريس يلتسن منصب الرئيس خلفاً لأخر رؤساء الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف. كان يُعرف الاتحاد السوفيتي قبل ذلك التاريخ بأنه إحدى القوى العظمى المُتحمة في العالم والمؤثرة في السياسات العالمية، فترى ما الذي غيّر الأوضاع في أعقاب الحرب العالمية الثانية وقاده إلى التفكك والانهيار؟

أسباب تفكك الاتحاد السوفيتي :

حدد الخبراء السياسيون مجموعة العوامل التي ساهمت مجتمعة في تفكك الاتحاد السوفيتي وإنهاء وجوده والتي جاءت مُتمثلة في الآتي:

الانهيار الاقتصادي :

تخربنا دراسة التاريخ أن تردي الأوضاع الاقتصادية هو القاسم المشترك بين كافة حالات تفكك وانهيار الأوطان، وإن أردت معرفة مستقبل دولة راقب وضعها الاقتصادي ومستوى أداء البورصة بها، وبناء على ذلك يكون الانهيار الاقتصادي أحد الأسباب المباشرة التي قادت إلى تفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان قوى عظمى ذات اليوم!

أما عن أسباب تأزم الأوضاع إلى هذه الدرجة فيمكن إرجاعها إلى العديد من العوامل، في مقدمتها زيادة الاعتماد على الاستيراد من الخارج وإهمال التصنيع، الأمر الذي أدى إلى توقف عجلة التنمية وتسبب في حدوث التضخم الاقتصادي وتراجع قيمة العملة المحلية في أسواق التداول، كذلك كان سباق التسليح أحد مُسببات الانهيار الاقتصادي حيث وجهت الدولة أغلب مواردها للإنفاق العسكري وفي مما أثر بشكل سلبي على مختلف القطاعات الأخرى.

الاضطراب السياسي :

تفكك الاتحاد السوفيتي لم يكن أمراً حتمياً بل كان من الممكن احتواء الأمر أو على الأقل الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة، لكن أبرز الأسباب التي حالت دون تحقيق ذلك هو حالة الضعف السياسي الذي ألمت به في تلك الفترة، حيث شهدت الأوضاع السياسية في البلاد تلك الفترة حالة كبيرة من التخبط والارتباك وانعدام الرؤى والخطط.

مرت البلاد بالعديد من الاضطرابات السياسية التي نتجت عنها عِدة انقسامات أدت إلى عدة انقسامات كان أبرزها حَلّ الحزب الشيوعي، وهذا كله أضعف القيادة السياسية وفقدان السيطرة على مجريات الأمور، مما أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي وعجز الدولة عن فعل أي شيء لمنع حدوث ذلك.

الاضطرابات الداخلية :

التخبط السياسي والتراجع الاقتصادي كانا سببان مباشران للعديد من الاضطرابات الداخلية الأخرى، حيث أن كلا الأمرين ساهم في سوء الأوضاع الداخلية في البلاد وأثر بشكل سلبي على مستويات المعيشة، حيث تراجعت قيمة العملة المحلية وأدى ذلك بطبيعة الحالة إلى ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، كما أن وقف الأنشطة الاقتصادية على اختلاف أنواعها أدى إلى تفشي داء البطالة وبالتالي ارتفعت معدلات الجريمة بنسبة كبيرة.

ذلك الوضع المزري وحده كان كفيلاً بـ تفكك الاتحاد السوفيتي إلى مجموعة من الدويلات وهو ما حدث فعلياً؛ حيث كان الشعب السوفيتي بمختلف طوائفه ناقماً على الأوضاع راغباً في التخلص من تبعيته لذلك الكيان، وقد كان ذلك أحد العوامل المباشرة التي قادت إلى تنامي الصراع القومي الذي سوف نتطرق له لاحقاً.

انقسام مؤسسات الدولة :

ليس هناك ما يُمثل خطورة على استقرار البلاد سوى الانقسامات الداخلية، خاصة إذا وصلت تلك الانقسامات إلى المؤسسات السيادية التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن وحدة البلاد وسلامتها، من ثم يمكن القول بأن انقسام المؤسسة العسكرية كان أحد الأسباب المباشرة التي عَجّلت بسقوط و تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره بصورة تامة.

شهد الاتحاد السوفيتي محاولة انقلاب عسكري في أواخر عام 1991، حيث حاول البعض إقصاء رئيس البلاد آنذاك ميخائيل غورباتشوف عن سُدة الحُكم، ورغم فشل المحاولة إلا أن آثارها كانت مُدمرة بكل المقاييس، حيث أدت إلى حدوث انقسام داخل صفوف المؤسسات العسكرية وخلخلت استقرار الأوضاع الداخلية، بالإضافة إلى نشوء العديد من النزاعات السياسية وبالتالي وقف العديد من القوانين والمشاريع الإصلاحية التي كانت محل الدراسة، ومع كل ما سبق يمكن القول أن تلك المحاولة كانت بمثابة دق المسمار الأخير في نعش الدولة ولم يمر وقتاً طويلاً أن يحدث تفكك الاتحاد السوفيتي النهائي والبات.

ضغوط الحرب الباردة :

أسباب الحروب متعددة وكذلك أساليبها حيث أن مفهوم الصراع الدولي بعد الحرب العالمية اختلف كثيراً ولم يعد يقتصر على التصادم العسكري بين الجيوش النظامية فحسب، بل ظهرت حروب من نوع آخر أبرزها الحرب الباردة والتي يُشار بها إلى ممارسة دولة -مجموعة دول- ضغوطاً سياسية واقتصادية على دولة الخصم بهدف تهميش دوره الإقليمي والدولي ومنعه من نشر أفكاره والترويج لها أو عقد تحالفات مع دول أخرى، بالإضافة إلى تضييق الخناق على معاملاته التجارية العالمية والعمل على هدم الاقتصاد الخاص به.

يمكن اعتبار تفكك الاتحاد السوفيتي أحد النتائج التي جاءت مترتبة على صراعات الحرب الباردة بين السوفيت والولايات المتحدة وحلفائها من الدول الأوروبية في أعقاب الحرب العالمية، مما أدى إلى تراجع الاقتصاد السوفيتي وترتب على ذلك العديد من الأزمات الداخلية التي زادت الدولة هشاشة وكانت تلك بداية الطريق إلى الهاوية والانهيار الكامل.

فشل السياسات الخارجية واستنزاف الموارد في الحروب :

تفكك الاتحاد السوفيتي بدأ حرفياً حين فقد الشعب إيمانه به، وقد كان فقدان الإيمان ناتج عن فشل النظام الحاكم في تلك الفترة في إدارة مختلف الملفات الهامة والحيوية، وقد كانت السياسة الخارجية من أهم الملفات التي تسببت في إحراج النظام الحاكم القائم بتلك الفترة وتسببت في تراجع شعبيته ومستويات التأييد له.

لعبت سياسات الحرب الباردة دوراً بارزاً في إحراج الإدارة السوفيتية حيث فرضت عليها من القيود ما أدى إلى تراجع دورها الإقليمي والدولي، كما أن ذلك كان له تأثير سلبي بالغ على القطاع الاقتصادي، بالإضافة إلى هذا وذاك كان تورط الدولة في أكثر من صراع عسكري أحد أسباب استنزاف الموارد وتسارع وتيرة تفكك الاتحاد السوفيتي عن بكرة أبيه وكانت حرب أفغانستان أبرز تلك الصراعات التي كبدته خسائر فادحة.

الصراع القومي :

يقول عدداً من المؤرخين والخبراء في الحقل السياسي أن الاتحاد السوفيتي قد نشأ نتيجة الصراع الطبقي وانهار نتيجة الصراع القومي، يشير هؤلاء إلى أن الترحيب الذي لاقته الأفكار الشيوعية في فترة من الفترات كان راجع إلى اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع الواحد، مما دفع الطبقة الكادحة للنظر إلى النظام الشيوعي باعتباره طوق النجاة، لكن بعد الحرب العالمية تفجرت أزمة الهوية القومية بين أبناء المجتمع السوفيتي، مما أجبر الحكومة -الضعيفة آنذاك- على السماح بالتعبير عن المطالب القومية، الأمر الذي ساهم في تسارع وتيرة الانقسام بين الدول المكونة لهذا الكيان وهو ما أدى في النهاية إلى تفكك الاتحاد السوفيتي بشكل كامل.

يُشار هنا إلى أن ملف الهوية القومية لم يُغلق بشكل كامل حتى اليوم، بل أن أزمة شبه جزيرة القرم التي طفت على السطح خلال السنوات القليلة الماضية تتبع ذات الملف، حيث تتصارع روسيا وأوكرانيا على الحدود السياسية بينهما وكل منهما يؤكد تبعية هذا الإقليم لسيادته، ويُشار أيضاً إلى أن أوكرانيا ذاتها كانت تتبع الدولة الروسية لفترة طويلة قبل أن تنال استقلالها في 1991 في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره.

Exit mobile version