الرئيسية الفلسفة لماذا ارتبط رسم الوشم بالعصابات والمجرمين تحديدًا؟

لماذا ارتبط رسم الوشم بالعصابات والمجرمين تحديدًا؟

0

مما لا شك فيه أن رسم الوشم أصبح مُنتشرًا الآن انتشارًا كبيرًا يفوق كل الحدود، فنادرًا ما نرى شخصية عالمية شهيرة لا تضع وشمًا في أي مكان بجسدها، بل يُمكننا القول أن الوشم قد أصبح دلالة على الشهرة، فنحن نعرف ممثل ما فقط من خلال الوشم الموجود على جسده، وطبعًا لم يتوقف الأمر عند المُعجبين بهؤلاء المشاهير، حيث لم يكتفوا بالمشاهدة وقاموا بتقليد تلك الرسوم على أجسادهم وبنفس الكيفية، لكن دعنا من كل هؤلاء، والذين لا يلفت الوشم الأنظار إليهم ولا يرتبط بهم مثلما يفعل ذلك الوشم الذي يتواجد على أجساد رجال العصابات والمجرمين، فهؤلاء تحديدًا يرتبط بهم الوشم ارتباطًا وثيقًا، حيث بات من النادر جدًا أن يكون هناك رجل عصابة ولا يحمل على أي جزء من جسده وشمًا لعقرب أو ثعبان أو أي رسمة تُعبر عن شخصيته بشكل عام، لذلك، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على رسم الوشم وطريقته وسبب ارتباطه الوثيق برجال العصابات والمجرمين.

ما هو الوشم؟

بالتأكيد علينا في البداية قبل أن نُفسر ارتباط رسم الوشم بالعصابات والمجرمين أن نعرف ماهية ذلك الوشم، فهو كما يُعرفه البعض نقش على الجسم بالإبر والصبغ، يُقصد به التزين، لكن نتيجته لا تكون مجرد التزين، وإنما يؤدي كذلك إلا إحداث تشوه شبه دائم في الجسم، وقد يكون رسم الوشم بغرض العلاج من بعض الأمراض حسبما يدعي السحرة أو أنه مدعاة للتفاخر والتباهي أو ربما يكون من أساسيات بعض العقائد البوذية، أما الأغلبية فإنه يكون حِكر على العصابات التي تسعى لرسم الوشم على أجسادها بصورة دائمة، وخاصةً منطقة الذراعين والظهر.

الوشم بصورة أو بأخرى يُعتبر تغيير وتعديل في الجسد، وطبعًا هذا الأمر غير مشروع، فجسد كل شخص أمانة من الله في رقبته، عليه أن يردها كما هي دون تغيير أو تعديل، وإلا فإنه يُعتبر خائن لتلك الأمانة، وطبعًا ما يجعلنا نتشبث بذلك الحكم أن الوشم غالبًا لا يزول من موضعه مهما كانت المحاولات، لذلك على الشخص أن يعرف أن يرتكب فعلًا لا يُمكن التراجع عنه، مع اعتباره ذنبًا يُحاسب عليه يوم القيامة.

ظهور الوشم

ربما لا يُصدق البعض، لكن الوشم كان موجودًا بالفعل قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام ونصف قبل الميلاد، أي العصر الحجري تقريبًا، ففي بعض المعابد والكهوف كان يتم العثور على أشكال كثيرة للوشم، وقد كان الأمر مُحيرًا في بداية الأمر حتى اكتُشف فيما بعد أن ذلك الوشم لم يكن يُقصد به التزين ولم يكن في الحسبان من الأساس، وإنما كان الكهنة والسحرة، وبعض رجال الدين أحيانًا، يستخدمونه في مداواة المرضى، والحقيقة أنه لا أحد يعرف حتى الآن كيف كانت تتم عملية المداواة تلك وما هي المواد التي كانت تُستخدم في رسم الوشم أو الطريقة التي كان يتم بها الأمر عمومًا.

اختفى الوشم لفترة طويلة ثم كان ظهوره الأبرز على يد اليابانيين، فمنذ عدة قرون ادعى هؤلاء أن ثمة بعض العادات والتقاليد التي توارثوها عن أجدادهم تقول إنه يجب على كل فتاة أو صبي يتجاوز العشرين عام أن يقوم برسم الوشم على جلده، ثم بعد ذلك انتقل الوشم إلى كل مكان في العالم وطبعًا مع اختلاف الأسباب والمبررات، المهم في النهاية أن أصبح كالماء والهواء بالنسبة لأشخاص لا علاقة لهم بالعادات والتقاليد أو المداواة أو السحر، وعلى رأسهم رجال العصابات.

لماذا ارتبط رسم الوشم برجال العصابات؟

تُعتبر فئة العصابات والمجرمين من أكبر الفئات التي يُلاحظ دائمًا تمسكها بعملية رسم الوشم في أجسادها، فتلك العصابات لا تُريد أن تكون مجرد عصابات عادية تمشي في الشوارع وتقوم بالعمليات الإحرامية، وإنما تحب أن يكون لها الكيان الخاص، وعمومًا، إذا أردنا الإجابة على أسباب ارتباط رسم الوشم برجال العصابات فإننا سوف نكون أمام الكثير من الأجوبة، على رأسها مثلًا تحديد هوية العصابة.

تحديد هوية العصابة والمجرم

تعتقد بعض العصابات أنه لا يُمكن إشهار العصابة وتعريف الناس بها إلا من خلال رسم الوشم على ظهورهم أو الذراعين أو أي مكان آخر يرى الناس ويستطيعون من خلاله التعرف على العصابة ونشاطها، فعملية رسم الوشم لا تأتي أبدًا بصورة فجائية أو تلقائية، وإنما يتم الإعداد لها من خلال اختيار وشم مناسب للعصابة يلتزم به جميع الأفراد، والحقيقة أننا هنا نتحدث عن فكرة موجودة بالفعل وليس مجرد أمر اعتباطي، ففي المكسيك مثلًا تُعرف العصابات بأمرين، أولًا الحي الذي يسكنون فيه وثانيا الوشم الذي يُرسم على الأشخاص.

المجرم بالتحديد يشعر أنه شخص بلا هوية دائمًا، فمثلًا لن نذهب إلى سجل مدني ونطلب منه استخراج بطاقة شخصية نضع كلمة مجرم في محل العمل، ولهذا فإن تلك النوعية من الأشخاص تسلك طريقًا آخر لاختيار الهوية، وهو طريق الوشم، وهو يمنحهم بالفعل الهوية ويُحقق لهم المراد كما ذكرنا من قبل.

بث الذعر في نفوس الناس

عادةً، عندما يرى الناس شخص ما يضع رسم الوشم على أي مكان ظاهر في جسده فإنهم بلا شك يُثارون ويشعرون بالدهشة تجاهه، لكن هذا الأمر بالنسبة لرجال العصابات والمجرمين يكون ذو تأثير أكبر بكثير، فالوشم لا يُعد فقد سبب للدهشة، بل أيضًا يُصبح سبب خوف، وإذا عقدنا مثلًا مقارنة خوف بين رجل عصابة ذو وشم ورجل آخر بلا وشم فإن رجل العصابة الوشم سوف يكسب التحدي بسهولة، هذه هي قوة الوشم الحقيقية، والدليل على ذلك هو ما نراه في الأفلام والمسلسلات الغربية والأوروبية وتلك التي تنتجها الولايات المتحدة الأمريكية، فعند تقديم رجل العصابة القوي نرى رجل مفتول العضلات يطل علينا، ونلمح كذلك في مكان ما بجسده بعض الوشوم المُخيفة.

الإيمان بجلبها للحظ

بعض رجال العصابات يؤمنون إيمانًا كاملًا بأن رسم الوشم على أجسادهم أمر يجلب الحظ، وأنه لا يُمكن أبدًا أن تكون رجل عصابات أو مجرم كامل دون أن يكون لديك وشم على أي جزء في جسدك، ولأن الحظ أمر مهم جدًا في مهنة الإجرام، وبدونه قد يلقى المجرم حتفه، فإن ذلك الشخص بالطبع سوف يتشبث بأي سبب قد يجعله يظل لفترة أطول على قيد الحياة، حتى ولو كان ذلك السبب هو مجرد وشم مُعلق على جزء لا يراه من جسده، هذا هو الإيمان بالنسبة لهم.

التعلق بها حد البكاء

من المعروف عن رجال العصابات عمومًا سمة الوفاء، هذا أمر نراه كثيرًا خاصةً في الأفلام التي تجسد قصة حياتهم، لذلك عندما يُعلق الرجل منهم وشمًا على أي مكان في جسده فإنه يُصبح من الصعب جدًا، بل من المستحيل أن يقوم بإزالته، بل إنه يبقى علامة مسجلة له، وقد ذكرت بعض الدراسات أن عصابة في المكسيك قررت إلغاء رسم الوشم على أفرادها فكان المجرمون خلال إزالة الوشم يبكون على توديعهم لذلك الرفيق الذي لزم أجسادهم فترة طويلة.

أضرار رسم الوشم

طبعًا ليس من المنطقي أبدًا أن نتحدث في موضوع مثل هذا عن رسم الوشم ولا نتطرق إلى أضرار الوشم، فإذا لم نفعل ذلك سنكون أشبه بالطبيب الذي يُحدث المريض عن الداء ولا يُحدثه عن الدواء، فالوشم من أكثر الأشياء ضررًا في الجسم بسبب ما يحدث خلاله من عمليات غير صحية، والتي يكون بطلها الرئيسي هو الإبر المستخدمة في هذه العملية.

الإبر ونقل العدوى

تُستخدم خلال عملية رسم الوشم بعض الإبر التي يكون أغلبها مُستعمل من قبل في وشم إنسان آخر، وهذا بالطبع يفتح الباب أمام العدوى واحتمالية نقلها من جسم إلى آخر، ومن أشهر تلك الأمراض المنتقلة فيروس الكبد الوبائي والإيدز والسكر وغيرها الكثير من الأمراض التي يكون الدم عنصرًا رئيسيًا بها.

الجلطات الدموية

الأماكن التي ستقوم باستخدام إبر الوشم لن تنجو أبدًا من ذلك الأمر، فهي غالبًا ما ستبدأ بتكوين كدمات زرقاء مكان الوشم، هذه الكدمات تتسبب فيما بعد بالورم ولا ينتهي الأمر دون أن تكون الجلطات الدموية حاضرة وبقوة.

الحساسية وتغير لون الجلد

عند رسم الوشم يكون كل ما يشغل الشخص أن يحظى بجسم جميل مرسوم عليه الوشم الذي اختاره، هذا جميل ولكن يحدث أن يتغير لون الجلد الذي يُعد أهم شيء ظاهري في جسد أي إنسان، وبالتالي فإنه لن يكون مُطالبًا بإزالة وشمه فيما بعد، وإنما جلده بأكمله الذي يتغير لونه ويبدأ في البهتان تدريجيًا، كما أن الحساسية الجلدية سوف تسجل حضورها بقوة وتجعل جلدك في حاجة إلى الحك طوال الوقت، بالإضافة إلى الاحمرار المتوقع، كل هذا أنت ستجلبه لنفسك بالوشم!

منع التبرع والأشعة

الضرر الأكبر من أضرار رسم الوشم على جلد أي شخص أنه سوف يكون مانعًا قويًا لأمور قد تحتاج إليها في أي وقت، وهي التبرع بالدم وإجراء أشعة السونار، فأما الدم فبمجرد ملاحظة وجود الوشم عليك سوف يُحاول الأطباء البحث عن بديل لك لأخذ الدم منه، وذلك لأنك غير مضمون بالنسبة لهم، فلا يعرفون هل انتقلت إليك العدوى ولا تزال في مراحلها الأولى أم أنك غير متضرر من شيء، هم لا يعرفون ولذلك لن يُخاطروا، وأيضًا أشعة السونار سوف تعجز عن الخروج بالنتيجة الدقيقة بسبب الوشم والحبر، أرأيت ما الذي يُمكن أن يفعله مجرد وشم بسيط!

حكم الوشم في الشرع

تحدثنا فيما سبق عن علاقة الوشم الوثيقة بين العصابات والممثلين، لكن ثمة أمر هام أو زاوية مهمة جدًا يجب أن تناول الوشم منها، وهي زاوية الشرع، فالمسلم بالتحديد قبل أن يفعل أي أمر فإنه ينظر أولًا إلى حكمه الشرعي وهل من الصحيح فعله أم أنه سوف يتعرض للإثم والوزر، وبالنسبة للوشم فتقريبًا ثمة إجماع على أن الوشم فعل غير ديني لكونه يتسبب في تغيير الجسد، تلك الأمانة التي يمنحها الله لعباده وهم بالطبع ملزمون بالحفاظ عليها، كما أن له العديد من الأضرار، ولا يوجد أي منطق يجعل الشارع يُحلل أشياء من شأنها تسبيب الضرر للإنسان.

البعض، وهم قلة قليلة، قالوا إنه من الجائز رسم الوشم لكن في حالة واحدة، وهي أن يكون ذلك الوشم سببًا في العلاج أو طريقه من طرقه، والحقيقة أنه لا يُمكننا أبدًا تخيل أن الطب الحديث قد يعجز عن علاج شيء يتمكن راسم الوشم من علاجه، عمومًا الغالب أنه لا يجوز رسم الوشم لأي سبب، ومن الطبيعي أن يكون بنسبة صغيرة بين المسلمين، فنادرًا ما نرى مسلم يُعلق الوشم ويمشي متباهيًا به.

Exit mobile version