مما لا شك فيه أن تسونامي اليابان الذي وقع في عام 2011 كان ولا يزال الكارثة الأعظم خلال القرن الحادي والعشرين، ذلك القرن التي مرت السنوات العشر الأولى منه وهي تُعطي انطباعًا بأن الأمور ستسير بخير خلال الفترة المتبقية من القرن، وأن زمن الكوارث الكبرى قد ولى وانتهى، لكن الحقيقة أن ذلك التسونامي يُنذر بقادم أسوأ، وإن كان هذا لا يعنينا الآن في هذا الموضوع إلا أنه سبب قوي للشعور بالخوف مما هو قادم، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نسعى جميعًا للإجابة على سؤال هام يُطرح منذ وقوع هذه الكارثة، وهو يتعلق بالسبب الحقيقي خلف اعتبارها كارثة القرن الحادي والعشرين بلا مُنازع، وإذا كنا سنبدأ في عدّ الأسباب فإن السبب الذي يستحق الكون على رأس هذه القائمة هو الضرر الذي خلّفه الزلزال، فهو أكبر دليل على كونه الكارثة الأعظم خلال هذا القرن بلا منازع.
الضرر الذي خلفه في اليابان والعالم بأكمله
إذا ما أردت وصف شيء ما بالسيئ أو الحسن فإن كل ما عليك قبل أي شيء أن تنظر إلى الآثار التي خلفها، وفيما يتعلق بكارثة تسونامي اليابان فإن الآثار كلها كانت عبارة عن أضرار سلبية، فبالتأكيد لن يخرج عاقل واحد ويقول أن زلزال ما قد ضرب مكان ما وترك أثرًا إيجابيًا، هذا أمر يفوق بالتأكيد قوة احتمال عقل البشر، والحقيقة أننا إذا ما تتبعنا تسونامي هذا فسنجد أن تلك الثانية التي أُشعلت فيها فتيل الزلزال كانت تقول بكل بساطة أن اليابان مُقدمة على جحيمٍ حقيقي، كيف لا وقد كانت قوة الزلزال في بدايته تقترب من التسع درجات بمقياس ريختر، وهذا ما يُعرف في عرف الزلازل بالغضب الأكبر، إجمالًا، لقد كانت الطبيعة في هذه الكارثة تُعلن عن غضبها الشديد من الطبيعة.
أضرار الزلزال وإن كانت كثيرة إلا أنها في النهاية قد تُلخص في بعض النقاط الرئيسية، فعلى سبيل المثال تدمرت بعض القرى، مات الكثير من الأشخاص، وارتفاع منسوب البحر قِبالة معظم السواحل التي كانت متواجدة في محيط الحادث، وكل هذه بالتأكيد أضرار قوية، لكن من الممكن جدًا أن يُفكر بعضكم في أن كل ما سبق ذكره مجرد تبعات عادية يُمكن أن تحدث عقب أي كارثة، ما الجديد إذًا؟ الجديد يا سادة هي القوة التي جاءت بها تلك الأمور التي تحدثنا عنها.
تأثيره على المفاعلات النووية الموجودة في العالم
من أكثر الأشياء الهامة التي خرج بها العالم في القرن العشرين المفاعلات النووية، فهي وقود العالم النابض، خاصةً وأنها الآن قد تمكنت من توليد الكهرباء وتغطية أكثر من نصف مناطق العالم، هذا طبعًا بغض النظر عن الشِق الآخر من النووي المُتعلق بالأسلحة والمعدات الحربية، فهذا أمر مُختلف تمامًا، المهم أنه بعد ذلك التسونامي الخطير حدث أمر ربما لا يحدث إلا بعد أمر جلل كهذا، ذلك الأمر هو سخونة أغلب المفاعلات النووية الموجودة في محيط اليابان، وهذا يشمل بالطبع تلك التي تتواجد أصلًا داخل أراضي اليابان، فهذا أمر شبه مفروغ منه، لكن يا تُرى كيف جاء ذلك التأثير؟
التأثير الذي حدث من خلال سخونة المفاعلات النووية الموجودة في محيط دولة اليابان أدى إلى إيقاف العمل بها لفترات طويلة وصلت إلى ثلاث شهور، كل هذه الفترة كان يُتوقع خلالها أن ذلك التشغيل قد يؤدي إلى كارثة أخرى يُمكن أن تأتي في شكل انفجار لذلك المفاعل، وإذا سألتم عن الأكثر خطورة بين تدمير بلدة كاملة وتفجير مفاعل نووي فإن الأمر الثاني سوف يكون أكثر خطورة بكثير، وهذا ما هدد به تسونامي اليابان وهذا أيضًا ما يجعلنا نصفه بكارثة القرن.
بث الخوف في اليابانيين مما هو قادم
بكل بساطة، لسان حال الشعب الياباني الآن أنه ما دامت قد حادثة كارثة مثل ذلك التسونامي فإنه من ليس من المستبعد أبدًا أن تحدث كارثة مثلها قريبًا، أو ربما يكون الكرب أشد وتحدث كارثة أقوى من هذه، وفي هذه الحالة لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف ستكون الخسائر وهل سيكون من الممكن حصرها أم لا، وبالتأكيد كل هذه الاحتمالات التي تدور في أذهان الشعب الياباني تجعله يشعر بالخوف الشديد مما هو قدم، حتى لو حاولت السلطات اليابانية وهيئات الأرصاد تخفيف الأمر عنه وإخباره بأن كل شيء تحت السيطرة، ففي النهاية الجميع شاهد ما حدث وشاهد قدر الكارثة التي من المحتمل كما ذكرنا تكررها في أي وقتٍ قادم، وقت قريب ربما.
بعض اليابانيين لم يعد الأمر بالنسبة لهم مجرد شعور بالخوف، وإنما بدأوا بالفعل في التحرك من أجل مواجهة ذلك الخوف، فمن كان يمتلك أي منزل بالقرب من المناطق الساحلية قام ببيعه ودخل على الفور للاحتماء في قلب العاصمة لأنه من المعروف أن الزلازل تبدأ قوية من مناطق السواحل، وأيضًا البعض بدأ يتعلم دورات التصرف عند الكوارث، حتى أن الإحصائيات تقول إن أكثر من ثلث الشعب قد تعلم هذه الدورات، وهذه دلالة صريحة على حالة الخوف التي بثها تسونامي في أذكى شعب بالعالم، الشعب الياباني.
لم تحدث كارثة تتخطاه حتى الآن
من أهم الأسباب التي تجعلنا نقول إن تسونامي اليابان كان ولا يزال كارثة القرن الحادي والعشرين أنه منذ حدوثه، في السنوات العشر الأولى من القرن التي سبقته، لم تحدث أي كارثة بقوته أو حتى تقترب منها، فإذا كان تسونامي هذا قد حدث خلال القرن العشرين لما كنا سنعتبره أبدًا الكارثة الأعظم في ذلك القرن، وذلك ببساطة لأن القرن العشرين قد شهد ما هو أعظم من ذلك بكثير، فهناك على سبيل المثال زلزال اليابان الأول الذي وقع في عشرينيات القرن المنصرم وأيضًا الحروب العالمية وما تعنيه من كوارث حقيقية، حتى تلك القنبلة النووية التي أُلقيت على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية يُمكن أن تُعتبر كذلك كارثة كُبرى، لكن كل ذلك حدث خلال القرن العشرين بينما نحن نتحدث عن الأحداث التي شهدها القرن الحادي والعشرين.
أغلب الكوارث التي شهدها القرن الحادي والعشرين حتى الآن كانت عبارة عن أحداث عادية واردة الحدوث، مجاعات وانفجارات وزلازل خفيفة وبراكين مُتقطعة طفيفة وأعاصير تحدث في أماكن متفرقة على استحياء، كلها بالتأكيد أشياء قوية لكنها لا ترتقي في النهاية إلى وصف الكارثة مثلما هو الحال مع تسونامي اليابان، ولهذا نقول بملء الفم أنه يظل حتى الآن كارثة القرن الحادي والعشرين بلا منازع.
ما زالت توابعه مستمرة حتى الآن
عندما نقول إن زلزالًا ما قد وقع فإنه من المنطقي كذلك أن نتحدث عن التبعات التي تركها هذا الزلزال، ونحن هنا نُفرق بين التبعات والآثار والأضرار، صحيح أن التبعات يُمكن القول إنها آثار للزلزال لكنها تختلف عنه في كونها شيء مُشتق من الزلزال نفسه، فمثلًا يُمكن أن تكون تبعات أحد الزلازل زلزال آخر صغير أو تدمير في مكان ما، وفيما يتعلق بزلزال تسونامي الذي نتحدث عنه فإن التبعات كانت أكبر من أن يُطلق عليها لقب تابع، بل يُمكن القول إنها كانت كوارث صغيرة مُنفصلة، إليكم ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال.
على الرغم من الزلزال كان يابانيًا بالكامل إلا أنه قد شهد بعض التبعات في أماكن بعيدة تمامًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض المناطق في قارة أمريكا بأكملها، حيث شعر السكان هناك بهزات طفيفة، وهذا بالطبع أمر مُدهش وأكبر من أن تُصدقه العقول، فليس من الطبيعي أن يحدث زلزال في مكان ثم يكون تأثيره وتبعاته في مكان آخر يبعد عنه بمسافة قارات كاملة، على كلٍ هذا ما حدث في تسونامي اليابان 2011، ولهذا نقول إننا لم نُطلق عليه لقب كارثة القرن الحادي والعشرين من فراغ، بل هو فعلًا يستحق ذلك وأكثر.
لفت أنظار العالم إلى خطورة الكوارث البيئية
بعيدًا عن اليابان والدرس الذي تعلمته من وقوع ذلك الزلزال في أراضيها فقد كان العالم كذلك على موعدٍ مع تعلم درس جديد في أعقاب تسونامي اليابان، ذلك الدرس يتعلق بخطورة الكوارث البيئية وما يُمكن أن يحدث بسببها، صحيح أن الجميع يُقدر الكوارث الطبيعية ويُعطيها ما تستحقه من احترام لكننا هنا نتحدث عن حالة رعب حقيقي ضربت الجميع، وخاصةً الدول التي تعرف الكوارث جيدًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى تلك الدول التي لا تحدث فيها مثل هذه الكوارث إلا كل عدة عقود بدأت كذلك في أخذ الاحتياطات اللازمة تحسبًا للمرور بنفس الظرف في يومٍ من الأيام، ومن حسن الحظ أن الكارثة قد وقعت في عصر السرعة بنقل الأخبار، عصر نقل الحدث لحظة وقوعه على الهواء مباشرةً.
على شاشات التلفاز بدأت المحطات الكبرى في إذاعة ما يقع في اليابان على الهواء مباشرةً، الجميع كان بإمكانه رؤية ما يحدث في اليابان، رؤية الخسائر المادية والبشرية، رؤية الكارثة في أبهى صورة لها، وهذا بالطبع أكبر سبب يُمكن أن يجعل الجميع يشعر بالخوف ويُركز انتباهه نحو الكوارث الطبيعية، عمومًا، ما ذكرناه الآن أيضًا يُعتبر من أسباب كون تسونامي اليابان كارثة القرن الحادي والعشرين بلا مُنازع، فيكفي أنه قد تمكن من لفت أنظار العالم في الوقت الذي تحدث فيه مئات الكوارث دون أن يشعر بها أحد.
اعتراف المنظمات الدولية بـ تسونامي اليابان كأقوى الكوارث
بعد أن عرفنا معًا كل الأسباب السابقة التي تُثبت كون كارثة تسونامي اليابان كارثة القرن الحادي والعشرين فإن البعض بالتأكيد قد يقول أن كل هذه اعتبارات تقديرية وليست رسمية موثقة، بمعنى أننا قد استنبطنا تلك الحقيقة فقط لمجرد بعض الحقائق، لكن في الوقت نفسه لم تترك المنظمات الدولية أي فرصة لعدم اعتبار تلك الكارثة الأعظم على الإطلاق في القرن الحادي والعشرين، فقد أصبح يُضرب بها المثل في الكوارث مع احتمالية حدوث أي كارثة جديدة، يُقال مثلًا انتبهوا لزلزال كذا الذي من المفترض أن يضرب دولة كذا كيلا تتكرر كارثة تسونامي مرة أخرى.
موسوعة جينيس سجلت بعض أحداث هذا الزلزال وأدخلتها كذلك ضمن الحوادث غير المسبوقة، ناهيكم عن هيئات الأرصاد الدولية التي بدأت تقيس أي زلزال بمقياس تسونامي اليابان، إجمالًا، ليس هناك أسباب أكثر من أسباب اعتبار تسونامي كارثة القرن الحادي والعشرين، لكن كم مضى أصلًا من هذا القرن؟ فقط ثمانية عشر أعوام، فدعونا نترقب وننتظر.