الرئيسية الصحة لماذا بعض الأشخاص أكثر قدرة على تحمل الألم من غيرهم؟

لماذا بعض الأشخاص أكثر قدرة على تحمل الألم من غيرهم؟

0

تحمل الألم أمر من الأمور بالغة الصعوبة لا يقدر عليه إلا القليل من الناس فكيف تواتي هؤلاء الجرأة لكي يستطيعوا تحمل الألم دون غيرهم؟ ولماذا هم أكثر قدرة على تحمل الألم دون غيرهم؟ وما هي دوافع لتحمل الألم وعدم التعبير عما يحيق بهم من آلام سواء جسدية أو نفسية أو ضغوطات؟ هذا هو موضوعنا في السطور التالية ولنبدأ بتحمل الألم الجسدي كيفيته ودوافعه:

كيفية تحمل الألم الجسدي

أحيانا تجد بعض الأشخاص يمرون بأزمات صحية أو يتعرضون لضربات أو كدمات أو تعثرات تجعلهم يسقطون مما يثير لديهم آلام مبرحة لكنهم تجدهم يكتمون هذا الآلام ولا يبوحون بها ويتظاهرون بعدم وجود آلام أو أنها آلام خفيفة فكيف يمكنهم تحمل الآلام الجسدية؟

عدم تركيزهم مع الآلام

من إحدى تعاليم الديانة البوذية تحمل الآلام للوصول للصفاء الذهني وتعتمد هذه الممارسات على عدم التركيز مع الآلام والانشغال عنه بالسمو الذهني وهذه الطريقة لا تنجح مع معظم الأشخاص ولكنها تنجح مع المهيئين لتحمل الآلام، لذلك هناك بعض الأشخاص القادرين على تحمل الألم دون غيرهم، وعمومًا هناك أشخاص يستطيعون فعل ذلك بشكل عكسي حيث يقومون بالتركيز مع الألم جدًا للنفاذ إلى جوهره وتفكيكه للحد من تأثيره عليهم، هذا النوع من الناس يستطيعون فعل ذلك من خلال قوتهم الذهنية لتمرين أجسادهم على عدم الانصياع للألم والخضوع له وفرض سيطرته عليهم وبالتالي مقاومته.

تهوينهم من الأزمات الصحية

يعتاد الكثير من الناس بدافع الرعب من الأطباء والأدوية تهوين أزماتهم الصحية ولو وأتاهم الشعور ببعض الآلام الجسدية التي تستلزم العرض على طبيب فإنهم يتحاملون على أنفسهم متظاهرين بالصحة حتى لا يضطروا للذهاب إلى طبيب بل إنهم يوهمون أنفسهم أنهم بخير حتى لا يوقعوا أنفسهم في أزمة الذهاب إلى طبيب لذلك من أجل هذا الدافع وحده يقدم بعض الناس على تحمل الألم وقليلون منهم من يصدق نفسه ويقنع جسده أنه صحيح تمامًا ولا يوجد آلام على الإطلاق.

الكبرياء من التألم أمام الناس

على عكس الكثير من الناس الذين يبادرون دائمًا بالتعبير عن ألمهم سواء الجسدي أو النفسي وما يلم بهم من آلام وأوجاع يلجأ الكثير من الناس لكتمان هذه الآلام لأن نفسيتهم التي تحتوي على الكثير من الكبرياء تمنعهم من إظهار آلامهم والحديث عنها أو التوجع أمام الناس بالتالي يقومون بتحمل ألمهم على الأقل لحين الانفراد بأنفسهم والاعتراف أمام أنفسهم بهذه الآلام عكس الفئة السابقة التي تقوم بإنكار الألم من أساسه ويقنعون أنفسهم بعدم وجود آلام من الأساس أو آلام لا تستحق القلق بشأنها.

تحمل الألم النفسي

وبعد أن انتهينا من تحمل الألم الجسدي ننتقل إلى تحمل الألم النفسي وفي تحمل الألم النفسي دوافع أخرى أيضًا غير التي عرضناها في تحمل الألم الجسدي:

عدم الثقة في الآخرين

الشخص الذي تراه يتقد بداخله بركان من الألم النفسي ولكن في الظاهر لا يتحدث كثيرًا حول هذا الألم أو بمعنى أدق لا يتحدث أصلا هو في الغالب لا يشعر بثقة في الآخرين حتى يحكي لهم شيئًا من ألمه أو يعبر عما يؤرقه ويقض مضجعه، وليس الثقة هنا في صون هذا البوح والاحتفاظ به، ولكن حتى ثقة في تفهم هذا الألم واستيعابه أو ثقة في أن هؤلاء الأشخاص لن يستهترون بهذا الألم أو يستخفون به أو يسخرون منه ولن يقوموا باستغلال نقطة الضعف هذه لصالحهم أو لن يقوموا بإصدار أحكام أخلاقية أو مطلقة على هذا الشخص بدلا من الدعم والمساندة، لذلك عدم الثقة في الآخرين دافع كبير من دوافع تحمل الألم النفسي.

الاعتياد على كتمان الألم النفسي وعدم البوح به

بسبب عدم وجود أشخاص أو عدم وجود أصدقاء قريبين بالقدر الكافي للبوح بالألم النفسي أمامهم يقوم الشخص بكتمان هذا الألم وتعمد عدم البوح به ومع الاعتياد على هذا الكتمان وعدم البوح يصبح الطبيعي والعادي لدى هذا الشخص ألا يبوح بألمه أو يعبر عنه ومع مرور الوقت يصبح الأمر صعبًا حتى تجربته ولو بشيء صغير لذلك الاعتياد على الألم من الأمور التي تجعل الإنسان قادرًا على تحمل الألم.

الشعور بعدم اهتمام أحد بمشاكله

شعور أنه لا أحد يهتم بك أو بمشاكلك يجعل الإنسان يتوق إلى العزلة وعدم حكي مشاكله قد يكون له أصدقاء ولكن يشعر أنه غير مهما بالنسبة لهم مما يجعله يحجم عن البوح بأي ألم نفسي أو التعبير عنه مما يجعله دائمًا صامتًا باستمرار بخصوص التعبير عن أي مشكلات شخصية، قد يكون مستمعًا جيدًا ويقوم كثيرًا بدعم ومساندة أصدقائه في مشاكلهم لكن هو نفسه لا يقوم بالتعبير عن هذه المشكلات، لذلك شعور الإنسان بأنه غير مهم ولا يوجد من يكترث لمشاكله وآلامه من دوافع تحمل الألم النفسي.

الشعور بتفاهة مشاكله واستصغار الناس لها

مستوى آخر من دوافع تحمل الألم النفسي وهو شعور الإنسان نفسه بتفاهة مشاكله وصغرها رغم التأثير الكبير الذي تؤثره عليه وتسبب له آلام عظيمة إلا أنه رغم ذلك يشعر بتفاهة هذه المشكلات خصوصًا لو قام بحكي إحدى هذه المشكلات من قبل وقام أحد الأشخاص بالمزايدة عليه بمشاكل أكبر فإنه يظل موهمًا نفسه أنه شخص تافه ومشكلاته تافهة مثله وبالتالي يتراجع عن التفكير في التعبير عن آلامه مطلقًا وهذا نوع من أنواع الإرهاب الاجتماعي الذي يمارسه الناس على بعضهم وهو التهوين من مشكلات بعضهم واستصغارها مما يجعل أحد الأشخاص يعيش في مجتمع يحمل مشاكله في قلبه ويخاف من البوح بها.

الكبرياء

شعور الإنسان نفسه بالكبرياء من حكي مشاكله للآخرين وهذه صفة شخصية تكونت لديه منذ الطفولة وساعدت فيها عدة عوامل جعلته شخصًا يبدو عليه دائمًا مظهر رباطة الجأش وعدم الاكتراث للمشكلات العادية لأنه يتكبر على أن يكون لديه مشاكل وآلام نفسية مثله مثل بقية الناس فهو يشعر بتميزه عنهم وقدرته على قمع آلامه النفسية هذه حتى لا يصبح مثله مثلهم في النهاية وهذا النوع من الكبرياء قد يوصل الإنسان لعدم التعبير عن آلامه وإقناع نفسه بعدم وجود آلام أيضًا ولكنه في النهاية سينفجر ويعوَض ما فاته من كل هذا القمع طوال عمره والانفجار هذا قد يكون في صورة سيئة تضر بصاحبها للأسف الشديد.

الاكتئاب المرضي

كل ما سبق يمكن إدراجه تحت بند الاكتئاب المرضي ومن أعراض الاكتئاب المرضي ويكاد يكون العرض الرئيسي له عدم اعتراف الشخص نفسه بوجود اكتئاب من الأساس لذلك هذه الأمور يمكن إرجاعها لحالة الاكتئاب المرضي التي يمر بها الشخص حيث يكون بالكامل تحت تأثيرها ولا يقتنع إطلاقًا أنه لديه هذه الحالة لذلك هذه أيضًا من أسباب عدم البوح بالآلام وتحملها.

تحمل الضغط

إلى جانب تحمل الألم الجسدي والنفسي يوجد أيضًا تحمل الضغوطات المستمرة لماذا يوجد أشخاص يستطيعون مواجهة المشكلات وتحمل الضغوطات المثقلة كاهلهم وهناك أشخاص ينهارون من أول مشكلة وتحت أول ضغط؟ والإجابة تأتي في عدة نقاط ولأسباب مختلفة:

الوعي بالمسئولية وإدراك دوره في حياة الآخرين

لا ريب أنه لا أحد يحب دائمًا أن يتحمل الضغوطات المتراكمة، وقد يتحمل الإنسان ضغط واحد مثل ضغط العمل وحده أو ضغط الدراسة وحدها أو ضغط التجنيد وحده وغيرها لكن هناك أشخاص يتحملون الكثير من الضغوطات وفي هذا أرقى درجات تحمل الألم حيث يعي بالدور الذي يكلف به والمسئولية التي تلقى على كاهله ومثال على هذا أب يعمل في أكثر من وظيفة يحاول أن يجد وقتًا للعب مع أبنائه أو استذكار الدروس لهم ويحاول دائمًا ألا يظهر هذا أمام زوجته حتى لا ينقل لها هي أيضًا جزءًا من ضغطه وهي لابد ولديها ضغوطاتها، أو شاب يعمل في وظيفة ليلية حتى ولو كانت متواضعة المستوى وهو يدرس في الصباح من أجل أن ينفق على مصروفات دراسته ويساعد أسرته ذات المستوى المنخفض ماديًا، أو شخص يراعي زوجته المريضة ويقوم على خدمتها ومراعاتها وهو مطحون في العمل، والأمثلة تطول وتطول لتحمل الضغوطات المتراكمة ودرجة الرقي في مثل هذا الموقف أن هذا الشخص يقدم على تحمل الألم دون أن يبوح به لأحد بل ويتظاهر بأنه تمامًا جيد ولا يوجد أي مشكلة لديه على الإطلاق حتى لا يشعر من حوله بأنهم يثقلون عليه، ولذلك هذه الدرجة من درجات تحمل الألم تعد أسمى الدرجات.

الخبرات والتجارب التي مر وسبق بها

قد لا تدرك هذه المسألة ولكنك لابد وستلحظها، الشخص الذي وضع في مواقف صعبة من قبل أو مر بتجارب كبيرة أو راكم الخبرات لديه وأصبح شخص مثقل بالمعرفة العملية المبنية على الخبرات والتجارب يستطيع تحمل الألم أكثر من غيره ممن لم يختبرون الحياة الحقيقية المليئة بالمعاناة والآلام، ذلك وأن التجارب الصعبة تقوم بصقل شخصية الإنسان وتجعله مهيئًا تمامًا لتحمل المزيد والمزيد من الضغوطات والآلام المتراكمة.

العديد من الأشخاص حول العالم يتألمون أضعاف ألمه

هناك الكثير من الناس الذين يحاولون التهوين من آلامهم باستمرار وذلك لاعتقادهم الراسخ بأن هناك الكثير من الأشخاص حول العالم الذين تألموا ولا زالوا يتألمون أضعاف آلامه دون ذرة شفقة أو تعاطف منه ودون أن يصدروا هم أي آهة ألم ويقفون في ثبات مدهش يتلقون مصيرهم، عمال المناجم والجنود على الجبهة، رجال الإطفاء، أو الأطباء الذين لا ينامون أيامًا متواصلة، المسعفين الذين يحملون الأشلاء البشرية على الطريق وعمال البناء والخرسانة الذين ينهكون صحتهم طوال النهار من أجل نقودًا بالكاد تكفي قوت يومهم هذا، فكيف لا أتحمل مثل هذه الضغوطات التي لا تبلغ ربع معاناتهم.

الشخصيات التفاؤلية المؤمنة بالمستقبل

هناك الكثير من الشخصيات الذين يتحاملون الضغوطات لأنهم يقنعون أنفسهم أنهم يتعاملون مع هذا بشكل مؤقت وأنهم ما عليهم سوى تحمل بعض الضغوطات والمعاناة في الوقت الحالي لأن غدًا الأمور ستصبح أفضل بكثير وسيأتي المستقبل بمعاناة أقل أو ربما بالمزيد من الرفاهية والراحة، لذلك فهو يقدم على تحمل الألم بنفس راضية ومستريحة ومقتنعة بأن غدًا يوم أفضل.

شخصية تشاؤمية يتحمل السيئ استعدادًا للأسوأ

على عكس الشخصيات التفاؤلية التي تتحمل الألم إيمانًا بالغد الأفضل إلا أن الشخصيات التشاؤمية تقتنع بأنها تتحمل السيئ الآن لأن الغد يخبئ لها ما هو أسوأ لذلك يجب أن تتأقلم وتتعايش مع هذا السيئ كي تهيئ نفسها وتستعد لما هو أسوأ من ذلك، ويشترك هذا الشخص مع السابق بأن كلاهما يتحمل الألم ولكن لكل منهما نظرية مختلفة تمامًا عن المستقبل.

خاتمة

تعددت النظريات في تحمل الألم ولماذا بعض الناس يستطيعون تحمل الألم بعكس غيرهم ولا نملك سوى أن نقول أن هناك العديد من الأسباب تجعل الأشخاص يتحملون الألم، ولكن في النهاية يبقى الأمل بزوال الألم.

Exit mobile version