الرئيسية الفلسفة الفلسفة الإسلامية : لماذا نشأت الفلسفة الإسلامية وما هو موقعها العالمي ؟

الفلسفة الإسلامية : لماذا نشأت الفلسفة الإسلامية وما هو موقعها العالمي ؟

الفلسفة الإسلامية لا شك بإنها جزء أصيل من التراث الثقافي الإنساني. لكن السؤال هو لماذا نشأ هذا النمط الفلسفي؟ وما الدور الذي قام به قديماً؟

0

الفلسفة الإسلامية أو الفكر الفلسفي الإسلامي أو التراث الفلسفي، هي جميعها مصطلحات تشير إلى جزء أصيل من التراث الثقافي الإنساني، فقد تنامى هذا الفكر -أي الفلسفة الإسلامية -في أوج النهضة الإسلامية، حتى إن الفكر الأوروبي قد تأثر كثيراً بأفكار الفلسفة الإسلامية ،وقد حدث ذلك التبادل الثقافي في منطقتين رئيسيتين، هما مدينتي طليطلة الإسبانية وصقلية الإيطالية، حيث التقت الحضارة الإسلامية المزدهرة مع الحضارة الأوروبية الناشئة، الخالصة للتو من عصور الظلمات التي حكمتها لقرون طويلة.

لماذا نشأت الفلسفة الإسلامية ؟ وما أهميتها ؟

ومن ذلك يمكننا الاستدلال على مدى أهمية الفلسفة الإسلامية وتأثيرها، لكن يبقى السؤال: لماذا نشأ هذا النمط من الأفكار الفلسفية في الأساس؟ وما الدور الذي لعبته والمهام التي مارستها؟، وما الدور المحوري الذي عليها القيام به في زمننا المعاصر؟

أولاً : دور الفلسفة الإسلامية في زمنها الأول :

الحاجة ليست فقط أم الاختراع، بل إنها أم كل شئ وأي شئ، بما في ذلك استحداث بعض الأنماط العلمية، وهكذا كان الحال مع الفلسفة الإسلامية باعتبارها فرع علمي، فإن أردنا التعرف على أهمية هذا القسم من العلوم الفلسفية، فلن يتسنى لنا هذا إلا بمطالعة العوامل التي أدت إلى نشوء الفلسفة الإسلامية

أ) التصدي للنظريات المخالفة للشريعة :

الدين الإسلامي ينبذ العنف ومبادئه ترسخ السلام وترفق إراقة الدم، والمسلمون الحقيقيون ملتزمون بمبادئ هذا الدين الحنيف، ومن ثم فإن المنطق والعقل يرفضان أن تكون مواجهة الفكر بالسيف، فالحضارة الإسلامية كانت قوية بجنودها وكذلك بمفكريها وعلمائها، ولما جاءت فلسفة اليونان والتي تشبع بها فكر الأوروبيين، بأفكار ونظريات تتنافى مع الدين الإسلامي وأحكامه، فكان لابد من ظهور فكر فلسفي مضاد، يواجه تلك الأفكار الشاذة عن الحقيقة المتخطية لحدود المعقول، فنشأت بذلك الفلسفة الإسلامية في صورتها الأولية، وكانت أبرز القضايا الخلافية بين الفلسفة الإسلامية ونظيرتها الفلسفة اليونانية، هو قول بعض فلاسفة اليونان بأنه لا يوجد خالق للكون، وهو أمر يتنافى مع كافة الديانات السماوية وليس الإسلام وحده.

ب) الدفاع عن الدين :

بداية ظهور الفكر الفلسفي الإسلامي أو الفلسفة الإسلامية ،شهد نشوب حرباً فكرية شعواء، شنها مجموعة من الحمقى المتربصون بالدين، الساعون  إلى زعزعة إيمان معتنقيه، من خلال بثهم لسموم كلامهم المشكك في أحكامه وشرائعه، ولأن الفلسفة بصفة عامة ومنها الفلسفة الإسلامية ،تسعى إلى المجئ بالأدلة والبراهين المثبتة للنظريات التي تتبناها، فكانت فرق المشتغلون بالفلسفة من المسلمون، وأشهر هؤلاء ممن حملوا لواء الدفاع عن الدين، هم ما عرفوا باسم الفرق الكلامية، في إشارة إلى مجموعة أفراد اتقنوا علم الكلام، وهو من العلوم المتفرعة من علوم الفلسفة على وجه عام، ومن الفلسفة الإسلامية بصفة خاصة.

جـ) الارتقاء باليقين الإيماني :

ما بدأته الفلسفة الإسلامية بغاية الدفاع عن الدين الإسلامي، وصد العدوان الفكري والهجوم عليه من قبل المتربصين، تحول مع الوقت من هدف مؤقت ومهمة محددة، إلى غاية دائمة وسبب من أسباب قيام وتطور فكر الفلسفة الإسلامية ،فلم يعد عمل الفلاسفة المسلمون على الأتيان بما يدلل على صدق العقدة من أدلة عقلية، بهدف صد إدعاءات الغير المكذبة بما جاء بنصوص القرآن والسنة، إنما تمادوا في المجئ بهذه الأدلة، لهدف آخر اكثر اتساعاً وشمولاً من سابقه، وهو السعي إلى ترسيخ الإيمان في القلب عن طريق العقل، فلا يكون المسلم بذلك مسلماً لأنه ولد لأبوين مسلمين، إنما تكون لديه قناعة فعلية بما جاء في هذا الدين، من أحكام وضوابط وإنها جاءت لصالح البشرية عامة.

د) الدفاع عن حرية الفكر :

في زمن آخر أضيفت مهمة جديدة إلى مهام الفلسفة الإسلامية ،وهي أيضاً مهمة دفاعية ولكن من نوع آخر، فلم يكن الفلاسفة هنا يدافعون عن عقيدتهم من التشويه، إنما كانوا يدافعون عن أنفسهم وأفكرهم، فقد شهدت بعض الأزمنة هجوماً شرساً على الفكر الفلسفي، وصل إلى حد التكفير الصريح لكل المشتغلون بالفلسفة، لعل أبرز هذه الهجمات التي سعت إلى النيل من الفلسفة الإسلامية ،الهجمة التي شنها أبو حامد الغزالي ضمن كتابه الذي اسماه تهافت الفلاسفة، فانتفض رواد الفلسفة الإسلامية للدفاع عن أنفسهم وعن أفكارهم، وكان أبرز من تولوا الدفاع عن الفكر الفلسفي، هو الفيلسوف العربي العظيم ابن رشد، والذي رد على كل جزئية رصدها الغزالي في كتابه، وذلك عن طريق تدوينه لكتاب اختار له عنوان تهافت التهافت.. ويرى بعض المؤرخون إن الفلسفة الإسلامية لم تفكر لذاتها، إنما هي كانت محاولة لمنع الناس من التفكير، ودفعهم إلى الاستسلام التام إلى أقوال العلماء، الذين كانت الفتاوى التي يطلقونها مُسيسة بنسبة كبيرة، أي إن دفاع الفلاسفة عن الفلسفة الإسلامية في تلك الأزمنة، يعد بمثابة دفاع عن حرية التفكير والتعبير والنقاش والجدال بوجه عام.

هـ) التوفيق بين الفلسفة والدين :

كما إن نشأة الفلسفة الإسلامية في المقام الأول، كانت محاولة للرد على ما جاء بالفلسفة الغربية من أفكار تنافي شريعة الدين، مثل بعض أقوال أرسطو ونظريات أفلاطون وغيرهما، إلا إنها في الوقت ذاته تلاقت معها في العديد من النقاط، واتفقا في العديد من النظريات، وكانت هذه هي الذريعة التي اتخذها المتربصون، وهاجموا بموجبها أنصار الفكر الفلسفي من المسلمون، لذا كانت المهمة الأثقل والأصعب على مناصري الفلسفة الإسلامية ،هي كشف تزييف هؤلاء المدعين للحقائق، وإعادة جذب العامة إلى صفهم مرة أخرى، ولم يكن من الممكن لهذا أن يتحقق إلا بإجراء عملية توفيق، بين الفكر الفلسفي بصفة عامة وبين ما جاء بالدين، وكان أبرز من عملوا على ذلك أيضاً كان الفيلسوف ابن رشد، ولهذا يمكننا القول بأن إسهامات ابن رشد الفلسفية بالغة الأهمية.

أولاً : أهمية الفلسفة الإسلامية في الزمن المعاصر :

الفكر الفلسفي الإسلامي أو الفلسفة الإسلامية ،هو علم غير متناهي ولا يقتصر على عصور بعينها، إنما هو مستمر باستمرار الحياة، فقط تختلف القضايا والمشكلات التي تطرح وتناقش من خلاله، وفي زمننا المعاصر هناك حمل ثقيل واقع على كهل أنصار الفلسفة الإسلامية ،ومن القضايا المعاصرة التي تُحمّل مسئوليتها إلى الفلاسفة المسلمين الآتي:

أ) فتح الآفاق العربية :

الدول العربية زاخرة بالعديد من العلماء في كافة المجالات، لكن الفلاسفة والمفكرون منهم والعاملون بـ الفلسفة الإسلامية ،يتحملون الجزء الأكبر من مهمة الارتقاء بمستوى الفكر العربي، وذلك لأن الفلسفة هي العلم الإنساني الوحيد الذي لا يعترف بالحدود، وإنها تسعى دوماً إلى إحداث تقارب بين مختلف الثقافات، ولهذا فإن المشروع العربي النهضوي العام يرتكز أساساً على الفلسفة، فهي السبيل الوحيد إلى تنمية قدرة ابناء الوطن العربي على استيعاب مختلف الثقافات، وتنقيتها وأخذ منها ما يتناسب مع الدين الإسلامي والتقاليد الشرقية.

ب) تجديد الخطاب الديني :

قديماً دافعت الفلسفة الإسلامية عن الدين، أمام هجمات المحتسبون على الديانات الأخرى أو اللادينيون، بينما اليوم فإن الدين الإسلامي يعرض لحملة تشويه ممن ينتسبون إليه، أو بمعنى أدق يصفون أنفسهم زوراً وبهتاناً بذلك، ولهذا لابد من أن نجد وسيلة للتصدي لمثل هذه الأفكار المتطرفة، ولا وسيلة لتحقيق ذلك أفضل من الفلسفة الإسلامية ،إذ إنها لا تأمر وتنهي بكلام في المطلق، إنما تحدد قضايا بعينها وتتناولها بالتحليل والنقاش، وتأتي بالحجج والأدلة التي تتفق مع العقل وتدلل بها على صدقها، ومن ثم يمككنا بواسطة الفلسفة الإسلامية محاربة كل فكر مطرف، وتوضيح المقصود من أحكام الشريعة الإسلامية، التي جاءت نابذة للعنف داعية لإقرار السلام بين مختلف الشعوب، ولا كفلت لجميع البشر حريتهم حتى غير المنتمين إليها.

Exit mobile version