الرئيسية الحقائق السياسة لماذا توقفت الحروب العالمية منذ أكثر من ثمانية عقود؟

لماذا توقفت الحروب العالمية منذ أكثر من ثمانية عقود؟

0

مما لا شك فيه أن توقف الحروب العالمية الكُبرى أعطى العالم مساحة للتفكير فيما هو أفضل له وللأجيال التي ستعيش به فيما بعد، ففي وقت الحروب مثلًا كان التفكير الشغال هو كيفية اختراع سلاح حرب جديد، لكن الآن بتنا نُفكر في تطوير هواتف نقالة وسيارات وطائرات نقل تختصر المسافات، لقد تغيرنا جميعًا، والسبب في ذلك ببساطة هو توقف الحروب العالمية وتعقل البشر الذي جاء مُتأخرًا بكل تأكيد، عمومًا، نحن هنا لا نتعجب من توقف الحرب، وإنما نُريد أن نعرف سويًا لماذا حدث ذلك الأمر وكيف، فهل أنتم مستعدون للتعرف سويًا على الأسباب التي أدت إلى توقف الحروب؟ إن كانت الإجابة هي نعم فدعونا نبدأ الآن مباشرةً بالسبب الأبرز والأكثر إقناعًا، وهو تعلم البشرية الدرس أخيرًا.

تعلمت البشرية المآسي المترتبة على الدخول في حروب عالمية

مهما كانت درجة جنون الإنسان ورغبته المُلحة دائمًا في تدمير نفسه فإنه يحرص دائمًا على التعلم من الأخطاء التي يقع بها، وحتى لو لم يكن حريصًا على ذلك فإن الأضرار والنتائج التي تؤدي إليها نتائجه السابقة تجعله يوقن تمامًا أنه ليس ثمة سبيل بخلاف التراجع حتى لا ينتهي به الأمر وهو يقوم بتدمير نفسه، وهذا هو ما حدث بالضبط فيما يتعلق بمسألة الحروب العالمية الكبرى التي وقعت خلال النصف الأول من القرن العشرين، فقد كان من الغباء أن يستمر العالم في حالة حرب بعدما رأى بنفسه ما أدى إليه جنونه من تدمير وتبديد لكل ما هو جميل على هذه الأرض، وطبعًا كانت أولى ضحايا تلك الحروب قِسط كبير من البشر، إذًا يُمكننا القول أن الناقوس قد دق، سنموت جميعًا إذا لم نوقف الحرب.

المآسي التي خلفتها الحروب العالمية لم تكن فقط سببًا في تعلم البشر الدرس وإيقافهم لذلك العبث، وإنما كذلك دافعًا للبحث حول الأسباب التي قادتهم إلى ما وقع خلال هذه الفترة، لقد شعروا بالندم، وطبيعي جدًا أنهم أحسوا كذلك بالألم، ومن المُستحيل أن يختلط الألم بالندم دون أن يكون هناك إعصار من القرارات المُصلحة لكل خطأ حدث من قبل، وهذا بالضبط ما حدث في حالتنا تلك، فقد كانت المآسي أكبر من أن يتم التغاضي عنها أو عدم الشعور بالذنب تجاه حدوثها.

تحول الكثير من الدول للنظام الديمقراطي

الديمقراطية كانت كذلك سببًا في إيقاف الحروب العالمية وإنهاء حالة الصداع تلك، ففي الأصل كانت الفاشية والاستعباد الذي كان يقوم به حكام الدول الكبرى في هذا التوقيت سببًا مُباشرًا في قيام الحروب وشراستها، ولدينا دليل كبير على ذلك يتمثل في الرئيس الألماني هتلر والرئيس الإيطالي موسوليني، فهذان الاسمان يا سادة كانا سببًا رئيسيًا في إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية بالذات، وهتلر تحديدًا وصل به جنونه واستعباده لشعبه إلى الحد الذي جعله يُقنعهم بضرورة دخول مجموعة حروب تضمن لألمانيا مكانة عظمى تفوق مكانة الدول الكبرى في هذا الوقت، إنجلترا وفرنسا على وجه التحديد، وطبعًا أساليب الترهيب التي كان يقوم بها ذلك الرجل جعلت الجميع ينصاعون له، بل إن بعض الدول قد انضمت إلى حلفه لينتج عن ذلك جيش مجنون من الشعب المسكين الذي لا حول له ولا قوة.

النظام الديمقراطي بالتأكيد أنهى كل ذلك الاستعباد والاستبداد، فالآن أصبح النظام القائم في الكثير من البلدان أن يتم إجراء استفتاء لاستطلاع رأي الدولة وهل هي تُحبذ الحرب أم لا، لأن الأصل أن الشعب هو من يُجيش ويخرج منه الشعب للقتال، فإذا كان الشعب رافض للفكرة من الأساس فإنه من غير المعقول أن يخرج من الملايين كي يقوم بحرب لا يرضى عنها، أرأيتم كيف أن النظام الديمقراطي كان حلًا فاصلًا وسببًا من أسباب توقف كابوس الحروب العالمية؟

ارتفاع أصوات السلام ومعاداة الحروب في معظم الدول

طبعًا أمر لا خلاف عليه أن الحرب قد أثبتت حقًا المكانة التي ستضع البشر بها، فلكم أن تتخيلوا أنه أثناء الحروب العالمية توقفت كل مناحي الحياة، لم تعد هناك حركة تعليمية جيدة، لم يعد هناك ترفيه مُتمثل في الأفلام ومباريات كرة القدم، لم يعد هناك شيء بخلاف الحرب التي كانت تُثقل كل الشعوب، فحتى أولئك الذين غير معنين بالحرب كانوا يشتركون فيها عنوة بسبب قيام بعض المعارك على أراضيهم، فمثلًا مصر، لم يكن لها أي يد في الصراع المُقام بين الدول العُظمى، وبالرغم من ذلك فقد اشتركت في الحرب فقط لأن إنجلترا، والتي كانت أحد أطراف الحرب، كانت تحتل مصر، وبالتالي أصبح موقف البلدين واحدًا، ناهيكم عن الكثير من الدول التي لا يمكن لها ناقة ولا جمل وشاركت أيضًا.

تلك المعاناة التي خلفتها الحرب لمعظم الدول جعلت أصوات السلام ترتفع بداخلها، أصبحت معادة الحروب سمة شبه رئيسية، نشأت الأجيال على القصص التي كانت تروى لهم عن الحرب، وكيف أن ملايين البشر قد لقوا حتفهم جراء جرة قلم من حاكم مجنون، وطبعًا طبيعة الإنسان التي تحدثنا عنها من قبل تؤكد أنه يتعلم سريعًا من الأخطاء التي سبق ووقع بها، ولذلك جاءت النتيجة في صورة توقف عن الحروب والابتعاد التام عن كل أسبابها.

إنشاء مجلس الأمن أسهم في حل مشاكل الدول الكبرى دون حروب

كما ذكرنا من قبل، عزم الإنسان عزمًا شديدًا على إنهاء الحروب واجتثاثها من جذورها، ولهذا فإنه قد عكف على اتخاذ كافة التدابير اللازمة من أجل تحقيق هذا الغرض، ومن ضمن هذه التدابير مثلًا إنشاء مجلس الأمن، والذي كان مكونًا من الدول العُظمى في العالم وأفضل الكوادر السياسية العاقلة على هذه الأرض، وقد كانت مهمة ذلك المجلس واضحة من أول يومٍ له، وهي جعل بعض الناس يتخذون بعض القرارات المصيرية الخاصة بالعالم مع إعطاء الحق في الفض بين المنازعات الكبرى بين دول العالم، والحقيقة أن ذلك المجلس منذ تأسيسيه وقد تمكن من إثبات كفاءة كُبرى على كافة الأصعدة، كما أنه قد منع الكثير من الحروب والمآسي التي لو وقعت لكنا الآن نُلملم ما تبقى من هذا العالم.

مجلس الأمن في بدايته واجه بكل تأكيد بعد الصعوبات والمشاكل، لكنه تمكن من خلال الكوادر الموجودة به المرور من هذه الأزمة، لكن بالإضافة إلى ذلك فإن رغبة الدول الحقيقية في إنهاء كل هذه المعاناة وعدم التعرض للمآسي مرة أخرى جعلت الأمر سهلًا بعض الشيء، وهذا لا يمنع بالطبع من اندلاع بعض الحروب الصغيرة في بعض دول العالم الثالث، لكنها جميعًا كانت تنتهي بخسائر يُمكننا وصفها بأنها خسائر لا تُذكر.

وجود التهديد النووي القوي

ربما سيُثير دهشتكم ذلك الأمر، لكن وجود الأسلحة النووية في هذا العالم ساهمت بشدة في إيقاف التهديد بإقامة الكثير من الحروب العالمية في المستقبل، فقد كان العالم قديمًا مُستباحًا للجميع، كل من كانوا يملكون القوة كانوا يستطيعون بدء الحروب وإنهائها بكل سهولة، لكن الآن تغير كل شيء، فكثير من الدول أصبحت تمتلك السلاح النووي، وكما يقولون، لا تعبث مع الطبيعة والأسلحة النووية فنهاية كلاهما الدمار الشمال، ولكي نكون واضحين فإن القنبلة النووية التي إلقائها على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية كانت سببًا كبيرًا في إنهاء الحرب وتعريف العالم بأكمله أن العبث بهذه الأسلحة قد يؤدي إلى محو دولة كاملة من على وجه الأرض وليس فقط تدميرها.

الأسلحة النووية الآن باتت مملوكة لأكثر من دولة، وبات من الممكن جدًا أن تقوم كل دولة تمتلك ذلك السلاح تحالفات مع دول أخرى لا تمتلك، أي أنها تُصبح تحت حمايتها، وتهديدها يُصبح تهديدًا لها أيضًا، ولهذا فإن الجميع قد تيقن من أن بدء حرب أو حتى التفكير في ذلك لن يكون طريقه إلى النهاية مجرد حرب بالصواريخ والدبابات والأسلحة، بل نووي قادر على اختزال زمن حرب كاملة إلى عشر دقائق فقط، وبالتأكيد لن يُغامر أحد بخوض حروب عالمية مع كل ذلك.

انتهاء سياسة الاستعمار

كذلك من ضمن الأسباب القوية التي أدت إلى نهاية الحروب العالمية وجعلها مجرد حدث من الماضي أن سياسة الاستعمار التي كانت مُشتعلة خلال القرنين الماضيين قد توقفت أخيرًا، فتقريبًا لم تعد هناك دولة تستعمر دولة أخرى فعليًا، ولمن لا يعرف، فإن دول الاستعمار هي التي كانت السبب الرئيسي في الحروب العالمية نظرًا لاعتمادها على القوة التي تمتلكها باستعمار دول أُخرى تُمكنها من فرض سيطرتها على العالم وجعل كلمتها في الحرب مسموعة أكثر، فمثلًا، وكما ذكرنا من قبل، لم تكن لمصر ناقة ولا جمل خلال الحرب العالمية الأولى أو الثانية، ومع ذلك فقد شاركت بها فقط لأن إنجلترا، وهي الدولة التي كانت تستعمرها، قد شاركت في الحرب، بمعنى أنها كانت مغلوبة على أمرها، لكن مع نهاية الاستعمار تمامًا من الأرض لم تعد هناك قوى كبيرة تستند عليها الدول الكبرى من أجل إقامة الحروب العالمية.

موت من أشعل فتيل الحروب العالمية وجعله عبرة

في اللحظة التي مات فيها المجنون النازي هتلر أُذيع في العالم بأكمله أن شخص مجنون قد قام بإشعال فتيل الحرب وها هي الآن قد خمدت، ثم بعد ذلك بدأت حملة التعريف بذلك الرجل وطبعًا تشويهه تشويهًا مُستحقًا، لذلك، ولكمية الكره الكبيرة التي حصل عليها، لم يُفكر أحد في تقلد دوره مرة أخرى، ففي النهاية مات الرجل، ولم يأخذ أي شيء معه بخلاف لعنات التاريخ، وهذا شيء لا يستحق بالتأكيد القتال من أجله كل ذلك القدر، حيث بإمكانك مثلًا أن تخترع شيئًا مفيدًا أو تُنجز أي شيء في أي مجال من مجالات الحياة وسوف تضمن كذلك أن يذكرك التاريخ في سجلاته.

موت هتلر جاء كذلك بطريقة مُهينة، فقد انتحر هربًا من التعذيب والاعتقال، ثم بعد ذلك قام أتباعه بحرق جثمانه وإخفاء رفاته في أماكن متفرقة لا يعرفها أحد حتى الآن، وطبعًا أمر مهين جدًا أن يحدث أمر مثل هذا في جثة شخص ميت، لكن هتلر كان يستحق، وكل من سيحذو حذوه يستحق أيضًا، لذلك فالأمر أشبه بخلق عبرة لمن لا يعتبر، وعلى ما يبدو أن الفكرة قد نجحت ولم يُفكر حتى الآن في إشعال فتيل حربٍ جديد، ونأمل بالطبع أن يستمر هذا الأمر للأبد، فلم يثبت أبدًا أن جاءت الحروب العالمية بشيء بخلاف الدمار والألم والمعاناة لكل الأطراف المشاركين بها، والغير مشاركين كذلك.

Exit mobile version