الرئيسية العملي لماذا تم سن التجنيد الإجباري في بعض الدول وما أهميته؟

لماذا تم سن التجنيد الإجباري في بعض الدول وما أهميته؟

0

مما لا شك فيه أن التجنيد الإجباري واحدة من أهم الظواهر التي يصطدم بها الشباب في كل مكان فور تجاوزهم لسن محدد يتوافق كثيرًا مع الدرجة العلمية التي حظوا بها، فمع الوصول إلى ذلك السن المحدد آنفًا تبدأ جموع الشباب بالتوجه إلى مكاتب التجنيد من أجل تأدية تلك الخدمة للوطن، وغالبًا ما تقوم معظم هيئات العمل باشتراط الالتحاق بالجيش وتأدية خدمة التجنيد هذه قبل الالتحاق بالعمل أو التعيين به، وكأن التجنيد هو المفتاح للحياة الثانية للشاب، والتي تبدأ بالطبع بعد الانتهاء من المرحلة التعليمية، المُدهش هنا أن فكرة التجنيد لا تتوقف على تقدم البلد أو تأخرها، فكل الدول يتواجد بها هذا الأمر، لكن فقط ثمة بعض الدول تجعل الأمر إجباريًا والبعض الآخر يجعله اختياريًا، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على أهم الأسباب التي سُن من أجلها التجنيد الإجباري والأهمية العُظمى لهذا الأمر.

لماذا تم سن التجنيد؟

التجنيد كما نعرف يُقصد به الالتحاق بالقوات المُسلحة التي يتبع لها الشاب، وذلك بعد الانتهاء من فترة التعليم التي يظل خلالها مجرد طالب عادي، ولقد ظهرت فكرة التجنيد منذ ظهور الجيوش، إذ أنه لم يكن المنطقي أن يكون هناك جيش لبلد ولا يتواجد به أبناء هذه البلد، على العموم تم سن التجنيد لعدة أسباب، أهمها ما سيلي ذكره بداية من السطر القادم.

تحمل الشخص مسئولية الدفاع عن وطنه وأهله وأصدقائه

مهمة الجيش كما نعرف جميعًا هي حماية الوطن من العدو الداخلي والخارجي، هذا أصلًا هو السبب الرئيسي الذي قامت من أجله الجيوش وأصبحت بناءً عليه موجودة في عالمنا، والعقل والمنطق يقولان طبعًا أن من يدافع عن وطنٍ ما يجب أن يكون في الأساس مُنتمي له، إذ أن مسألة الدفاع هذه قد تطور مثلًا إلى الموت في سبيل الوطن، ولكي تموت من أجل شيء عليك أن تكون منتميًا له ومرتبطًا به إلى حدٍ كبير، يجب أن يكون وطنك الذي يتواجد به عائلتك وأصدقائك وأحبائك جميعًا، أولئك الذين يستحقون فعلًا الحياة الهادئة الآمنة، وهو ما ستوفره أنت لهم من خلال حمايتك لهم، ولهذه الأسباب تحديدًا لن تكون قادرًا على التملص من أداء خدمة التجنيد هذه، وإلا فإنك لن تكون رجلًا بالمعنى الحرفي للكلمة.

مسئولة الدفاع عن العائلة ربما تتم بصورة دائمة عندما يكون رجل كل بيت مُطالب بتوفير الأمن والأمان لعائلته وحمايتهم من الأغراب، لكن في جزئية التجنيد فإن الأمر يختلف تمامًا، حيث أن هذه الحماية أو هذا الدفاع يكونان تحت إشراف الدولة، كما تكون الحماية أكثر من العدو الخارجي الذي تكون خطورته أكبر بكثير من العدو الداخلي، ولهذا السبب بالطبع جاء التجنيد الإجباري كحل ووسيلة يُمكن من خلالها توفير الأمن والأمان للوطن بأكمله وليس مجرد العائلة.

التجنيد الإجباري يعني المشاركة في حماية الوطن ولو لوقت محدد

ذكرنا من قبل أن التجنيد الإجباري لا يكون للأبد، بمعنى أن الشخص لا يُنهي تعليمه ثم يلتحق بالجيش ويُصبح جنديًا للأبد، فهذا إن حدث فسوف يكون عبدًا وليس جنديًا، ولكن ما يحدث أن يُحدد لهذا الشخص مدة معينة تكون هي المدة التي يقضيها في الجيش، بعدها يخرج ويُصبح مواطنًا مدنيًا عاديًا ويُمارس مهنته مهما كانت، لكن هل تعرفون ما الذي يحدث خلال تلك المدة القليلة التي قضاها كجندي؟ إنه ببساطة يؤدي المشاركة بالمعنى الحرفي لها، فليس من العادل أبدًا أن يقوم مجموعة معينين من الأشخاص بتولي مسئولية حماية الآخرين للأبد، كأن يصبحوا جنود بشكل دائم، وإنما المناسب والعادل أن يتشارك الجميع في هذا الأمر، أو بمعنى أدق، يأخذ الجميع دوره في الحماية بمساواة وعدل تامين.

هذا الأمر طبعًا لا يتعلق بالتطوع الدائم في الجيش، والذي يقوم به أشخاص لا يجدون أي مهنة أخرى أو يحبون خدمة الوطن طوال حياتهم ولا مشكلة لديهم في أن يُصبحوا جنود للأبد، لكنهم في هذه الحالة يعتبرون التجنيد كعمل أكثر من كونه خدمة للوطن، كما أنهم يتقاضون راتب شهري كنظير لهذا العمل، ما نقصده أن هؤلاء ليس لهم علاقة بالتجنيد الإجباري الذي نتحدث عنه لأنهم لا يُجبرون على شيء أصلًا بعد انتهاء مدتهم المحددة آنفًا، بل يتخيرون البقاء بإرادتهم.

تجهيز الجميع تحسبًا لحالة الحرب

طبعًا كما ذكرنا من قبل عندما يُنهي الشاب فترة التجنيد الإجباري فإنه يُصبح مواطنًا مدنيًا عاديًا يُمارس كافة الحقوق المدنية العادية، وفي هذه اللحظة تنقطع علاقته بالجيش، لكن علاقته بوطنه لا تنقطع، فيُمكن في أي وقت حدوث حالة حرب غير متوقعة، وفي مثل هذه الظروف تحدث عملية عسكرية معروفة تُسمى الاستدعاء، وفيها يتم استدعاء المجندين السابقين من أجل المشاركة في هذه الحرب، والحقيقة أن ميزة هؤلاء المُستدعين أنهم يكونون مُتدربين جيدًا على استخدام الأسلحة والتعامل في مثل هذه المواقف، صحيح أن علاقتهم بالعسكرية قد انقطعت لكن ما تعلموه لا يزال محفورًا في أذهانهم، وهذه هي الميزة التي تجعلهم ذوي أولوية عند الاستدعاء، والعكس تمامًا هو ما سيحدث إذا لم يتعرض هؤلاء للتجنيد الإجباري منذ البداية، ففي حالة الحرب لن يكون هناك من يملكون القدرة على الحرب أصلًا.

هذه الفكرة أثبتت نجاحها بكل أسف في حرب أكتوبر عام 1973، فقد كان الجيش الإسرائيلي مُقبل على الهزيمة لولا عملية الاستدعاء والتعبئة التي قام فيها بتجميع كل المجندين السابقين واستخدامهم كقوة ضاربة استطاعت قلب موازين الحرب ومعادلتها، فقد كانت مصر بلا مُبالغة مُقبلة على إذاقة إسرائيل هزيمة ساحقة مُدوية، عمومًا، فكرة التجنيد الإجباري كانت حاضرة واستطاعت إنقاذ الموقف، ولذلك نجد أنه لا خلاف على أهميتها.

أهمية التجنيد الإجباري

يحظى التجنيد الإجباري بأهمية بالغة على أكثر من صعيد، ففي المقام الأول نجده يُسهم في عملية إعداد المواطنين وتجهيزهم لأي طوارئ في حياتهم المدنية، وهذا ما يُمكن أن نلاحظه بسهولة على أولئك الذين يدخلون الجيش ويقضون فترة التجنيد الإجباري، فهم يخرجون منه أشخاص مُختلفين تمامًا، مُتغيرين بالمعنى الأدق، ويُصبحون أكثر قدرة على تحمل المسئولية، وهذه هي الأهمية الثانية للتجنيد، بالإضافة كذلك إلى إسداء خدمة للوطن الذي يحتضن الجميع ويستحق بكل تأكيد أن يتم خدمته وحمايته ولو لفترة قصيرة قد تقتصر على عام أو قد تصل في بعض الحالات إلى ثلاثة أعوام.

مبدأ التجنيد الإجباري يمنح كذلك حق المساواة للجميع، فهناك بعض الأمور الأخرى التي تقتصر على البعض دون الآخر بحجة الاختلافات الاجتماعية، لكن التجنيد الإجباري يأتي ليجعل الجميع على نفس القدر والأهمية، وبالتالي لا يُمكن لأحد أن يكون مفضلًا على آخر ما دام الجميع يؤدي خدمته العسكرية بنفس الكيفية، وطبعًا هناك العديد من الفوائد الأخرى للتجنيد الإجباري لكن المقام لا يتسع لأكثر من ذلك الآن.

Exit mobile version