الرئيسية الشخصيات لماذا لقي الشاعر أحمد مطر كل هذا الرواج بين الشعوب العربية؟

لماذا لقي الشاعر أحمد مطر كل هذا الرواج بين الشعوب العربية؟

0

لو سألت أشخاصا عشوائيين من بلدان عربية مختلفة عن أشهر الشعراء السياسيين في الوطن العربي لأجابوك في المقدمة أحمد مطر وربما لا يعرفوا شاعرا سياسيا غيره ذلك وأن أحمد مطر يعتبر واحدا من أشهر الشعراء في الوطن العربي وربما هناك أشخاص غير مهتمين بالشعر أصلا ولا بقراءته تجدهم يحفظون عن ظهر قلب قصائد أحمد مطر، فكيف استطاع هذا الشاعر أن ينفذ إلى قلوب ووجدان الشعوب العربية جيلا بعد جيل وكيف استطاع أن يجد كل هذا الرواج في سائر البلدان العربية رغم حتى عدم معيشته فيها؟ هذا ما سنتحدث عنه في السطور القادمة:

نبذة بسيطة عن حياة أحمد مطر

قبل أن نبدأ في سرد أسبا رواج أحمد مطر في البلدان العربية وانتشار قصائده بهذا الشكل علينا أن نلقي الضوء حول حياته بإيجاز وهو أحمد مطر الشاعر المولود في مدينة البصرة بالعراق في العام 1954، وعاش حياة فقيرة ومعدمة وأتم دراسته بالمرحلة الابتدائية ثم انتقل إلى بغداد وبدأ يكتب الشعر في سن الرابعة عشر وكانت قصائد عن الحب والغزل ولكن بدأ صدامه بالسياسة مبكرا حينما رفض كتابة قصيدة سياسية في عيد الثورة مما ألقى به في السجن ثم خرج من السجن وفر إلى الكويت حيث عمل بجريدة القبس وهناك التقى بناجي العلي ولكن بسبب لافتاته التي كان يكتبها في القبس ضد الأنظمة العربية ضاقت به البلاد العربية كلها ففر إلى لندن واستقر هناك حتى يومنا هذا.

تعبيره عن الواقع العربي بدقة

استطاع أحمد مطر أن ينقل لنا معاناة كل مواطن عربي ويعبر عن صرخته المكتومة وأنينه الخفي من خلال قصائده حيث تناولت قصائده السجن والتعذيب والتنكيل الذي يتعرض له كل من يلمّح بمعارضة الأنظمة العربية وتناولت سياسات الإفقار والظلم والاستبداد والقمع الذي يتعرض إليه المواطن العربي في كل مكان في البلدان العربية وإصرار الأنظمة العربية على عدم توفير مناخ ديمقراطي وكان أحمد مطر يعارض الرؤساء العرب صراحة وينتقدهم ويسخر من ظلمهم واستبدادهم لذلك فقد عبّر عن كل ما يجيش في صدر المواطن العربي ويخشى التلميح به خوفا من التنكيل والتعذيب والسجن وبالتالي لقي كل هذا الرواج والانتشار.

الكوميديا السوداء في قصائده

لم يتناول أحمد مطر الأحوال المتردية للبلدان العربية أو استبداد السلطات العربية بالمواطن العربي وقمعه وقهره من منظور زاعق أو دراماتيكي بل من أفضل منظور يمكن أن تؤخذ به الأحوال في الوطن العربي وهي الكوميديا السوداء أو المأساة التي تنتج الضحك من شدتها، كانت قصائده عبارة عن سخرية لاذعة جدا من حال المواطن العربي في ظل هذه الأنظمة الفاشية وسخرية أكثر لذوعة من قدرة الرؤساء العرب على قمع وقهر وظلم شعوبهم بدم بارد وتحت تأثير شعارات زائفة وبجرأة غير معهودة في عصرنا الحديث، لذلك اشتهر في البلدان العربية التي تفضل الطرافة على الحديث بجدية والهزل على تناول الأمور بموضوعية ولذلك راج أحمد مطر واشتهر.

وجود مضمون للقصائد

ميزة شعر أحمد مطر بشكل عام أنه لديه مضمون في القصيدة أي أنك تستطيع بعد قراءة قصيدته أن تقول أن هذه القصيدة تتحدث عن كذا أو موضوعها كان كذا، على عكس باقي الشعراء الذين يصولون ويجولون ويهيمون في كل وادٍ دون التزام بخط واحد وهذه الميزة التي تميز أحمد مطر جعلته محظيا عن المتلقي العربي وجعلت رجل الشارع العادي يعرفه بالتالي استطاع بأدبه الوصول لكافة الأطياف والفئات لأنه لديه مشروع وقضية يدافع عنها وليست مجرد خواطر تداعب وجدان شاعر يدوّنها فحسب، هذا الرجل استطاع أن يحقق ما لم يحققه المثقفون والكتاب والأدباء معظمهم وهو الوصول للرجل العادي والمواطن البسيط الذي يسير في الشارع.

نقل المعنى في أصغر مساحة

ميزة أحمد مطر أيضًا هي الإيجاز، يستطيع أي شخص أن يتحدث معك حول قضية ما في ساعة وقد يستطيع شخص آخر أن يحدثك عن نفس الموضوع في خمس دقائق، يستطيع كاتب أن يشرح فكرته في 100 صفحة ويستطيع كاتب آخر أن يستعيض عن كل هذا بتلخيص فكرته في صفحتين لا غير بشكل غير مخل أو مبتور أو مؤثر بالسلب على فكرته الأصلية ولكن بحذف كل ما ليس له فائدة ولا يخدم فكرته بشكل حقيقي والاستغناء عن كل الزخارف اللغوية من أجل التركيز على المضمون الحقيقي لكتابته، وهكذا أحمد مطر أيضًا، هناك بعض قصائده لا تتعدى أربع أو خمس جمل، وأطول قصيدة له يمكن أن تقرأها في صفحتين، وهناك قصائد لا تتعدى الثلاثة أبيات، ورغم ذلك تجدها معبرة وتستحضرها في الكثير من المواقف، لا يحب أحمد مطر الإطالة ولا يميل إلى الإسهاب، كلمات قليلة ولكنها مؤثرة، أبيات موجزة ولكنها تلامس الوجدان وقصائد قصيرة ولكنا تظل في الذهن ولا تفارقه، هذه هي ميزة أحمد مطر الكبرى والتي جعلته منتشرا ورائجا في سائر البلدان العربية جيلا بعد جيل.

سلاسة اللغة وبساطة الأسلوب

لا شك في أن ثراء اللغة العربية وغزارة مفرداتها ومصطلحاتها وتراكيبها وفيضان كلماتها وألفاظها يجعلها مغرية لأي شاعر أن ينهل منها ويضع في قصائده ولا ريب أن التراث الكبير من كتب البلاغة والمناهج البلاغية وتأسيس علوم البيان والبديع وغيرها تغوي أي كاتب يتصدى لكتابة قصيدة أن يستفيد من هذه المناهج في قصيدته لإبرازها في أفضل صورة ممكنة مزخرفة ومزينة بأجمل الكلمات وأفخم الألفاظ وأحسن التشبيهات، ولكن أحمد مطر ينفض عن نفسه هذا الإغراء وينتقل مباشرة للحديث بمنتهى السلاسة وبأبسط الأساليب من أجل كتابة قصيدته، لا ينشد أحمد مطر جمهورا نخبويا ليس لديه سوى الكلام يقرأ قصائده في الصالونات الأدبية أو في المقاهي أو في الندوات، بل يرغب أن يصل جمهوره لسواد الشعب الأكبر وللجماهير العريضة ولصرخات التعذيب في السجون وآهات القهر في المخادع والأنين المكتوم في الشوارع وفي الحافلات العامة وفي المصالح الحكومية، يريد أن يكون جمهوره هو من يكتب لهم ويعبر عنهم وعن آلامهم ومشاكلهم بصدق، ولذلك وصل أحمد مطر بالفعل لجمهوره الذي ينشده وردد شعره شعوب البلدان العربية بأكملها من كافة الفئات والمستويات الثقافية والاجتماعية.

ضحية القمع يكتب ضد القمع

ما يجعل الشاعر مميزا عن غيره ليست المهارة في رص الجمل أو صناعة الأبيات أو توليد القصائد، إنما الصدق الذي يغلف شعره ويستشعره القارئ بين سطوره، ولا يمكن أن يكتب شاعرا على يمين السلطة أو تحت رعايتها ضدها، لن يصدقه أحد.. سيشككون في نواياه وسيشعرون أن شعره سهاما موجهة ضدهم لمعايرتهم بأحوالهم وظروفهم المتردية، ولذلك صدّق الناس أحمد مطر لأنه كان ضحية للقمع وظل طوال حياته يكتب ضد القمع ويستهجن الظلم والقهر ولذلك عاش شعر أحمد مطر ولا ريب أنه سيعيش لأجيال وأجيال قادمة.

خاتمة

لابد أن بساطة الأسلوب وصدق المعنى والهزل الخارج من عمق المأساة هو أكثر ما جعل أحمد مطر ينتشر ويجد شعره رواجا بين الشعوب العربية وذلك لحرصه الشديد وصدقه في نقل معاناتهم في أفضل صورة ممكنة.

Exit mobile version