الرئيسية الحقائق السياسة لماذا تعرف الدول النامية بهذا المسمى؟ وما مدلوله؟

لماذا تعرف الدول النامية بهذا المسمى؟ وما مدلوله؟

0
الدول النامية

الدول النامية هو أحد المصطلحات التي تتردد في وسائل الإعلام المختلفة وترد بكثرة في المحافل الدولية والخطابات السياسية، ويتم استخدام ذلك المصطلح للإشارة إلى مجموعة محددة من دول العالم -غالباً الفقيرة منها- وذلك التمييز بينها وبين مجموعة دول العالم المتقدم أو ما تم التوافق حول الإشارة إليه بمسمى دول العالم الأول. فترى لماذا يستخدم هذا المصطلح؟ وما مدلوله؟ وما مواصفات الدول المُدرجة ضمن هذا التصنيف وعلى أي أساس يتم تصنيفها؟

نشأة ومدلول مصطلح الدول النامية :

يعتبر مصطلح الدول النامية أحد المصطلحات السياسية الحديثة نسبياً، حيث أنه ظهر وبدأ استخدامه خلال خمسينات القرن الماضي وانتشر بصورة كبيرة خلال فترة زمنية وجيزة حتى صار ذا طابع شبه رسمي.

أولاً : نشأة المصطلح :

أول سياسي استحدث مصطلح الدول النامية للإشارة إلى مجموعة محددة من البلدان كان الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية هاري ترومان (1884: 1972)، كان ذلك ضمن الخطاب الذي ألقاه في عام 1949 والذي ناشد من خلاله المجتمع الدولي بضرورة مساعدة البلدان النامية على الارتقاء.

لم يشر الرئيس الأمريكي في خطابه إلى دول بعينها لكن الجميع فسر مصطلح الدول النامية على أنه تعبير مهذب لوصف مجموعة الدول المتخلفة التي تعاني من الاضطراب السياسي والتضخم الاقتصادي والعجز عن مواكبة التقدم العلمي والصناعي، وهي ذات الدول التي تم التوافق على الإشارة إليها بمصطلح دول العالم الثالث للتفرقة بينها وبين دول العالم الأول والثاني المتقدمة في مختلف القطاعات.

ثانياً : مدلول المصطلح ومعايير تصنيف الدول النامية :

لم يتم التوافق حتى الآن على تعريف محدد لمصطلح الدول النامية أو تحديد مجموعة المعايير التي يتم بناءً عليها إدراج دول معينة ضمن هذا التصنيف، لكن في النهاية تبقى هناك مواصفات عامة وقواسم مشتركة بين تلك الدول أبرزها الآتي:

تدني المستوى المعيشي للأفراد :

يعتبر متوسط دخل الفرد الواحد أحد المعايير التي يتم بناءً عليها قياس مدى تقدم الأمم والمجتمعات، وبناءً على ذلك يعتبر تدني مستويات دخل الأفراد أحد العلامات المميزة لمجموعة الدول النامية أو دول العالم الثالث، التي يعاني أغلب أفراد شعوبها من تدني مستويات المعيشة ويعانون من الفقر المدقع.

الأمر هنا لا يقتصر فقط على الدول المُعدمة التي تعتمد بصورة كاملة على الإعانات التي تتلقاها من الدول الكبرى والمنظمات الدولية، بل أن كل دولة تقع الشريحة الأكبر من سكانها تحت خط الفقر الذي يُمثل الحد الأدنى لمستويات الدخل -والمُقدر بمتوسط 3.1 دولار أمريكي يومياً- تعتبر دولة نامية.

عدم توفر مقومات الحياة الآدمية :

أحد أبرز القواسم المشتركة بين الدول النامية هو عجز الإدارة السياسية عن توفير أبسط مقومات الحياة الآدمية للمواطنين والتي هي حق مشروع لكل إنسان على وجه الأرض تعتبر من المُسلمات في دول العالم المتقدم، وعادة ما يكون ذلك راجع إلى قلة الموارد أو الفساد السياسي وسوء الإدارة.

تتمثل مظاهر عجز الدولة عن توفير احتياجات المواطن الأساسية فيما يلي:

  • عدم توافر الغذاء
  • تردي المنظومة الصحية
  • العجز عن توفير فرص عمل مناسبة وتفشي ظاهرة البطالة
  • تردي أوضاع المنظومة التعليمية
  • تدني مستويات مختلف القطاعات والخدمات

غلبة النشاط الزراعي على الصناعي :

يرى الخبراء في مجال السياسة والاقتصاد أن طبيعة النشاط الاقتصادي الذي تعتمد عليه الدولة في المقام الأول من الممكن اتخاذه معياراً لتحديد الفئة التي تنتمي إليها، يرى هؤلاء أن الدول الأكثر اعتماداً على مجال الزراعة تميل بدرجة أكبر إلى مجموعة دول العالم الثالث، بينما الدول التي تمارس النشاط الصناعي تزداد بالنسبة لها فرص الالتحاق بدول العالم المتقدم.

تلك النظرية لا تقلل من أهمية المجال الزراعي الذي يعد أحد العوامل الرئيسية الواجب توافرها لضمان استمرارية الحياة على سطح كوكب الأرض، إنما ترى أن الزراعة من الأنشطة البدائية التي مارسها الإنسان منذ العصور السحيقة، بينما الصناعة تبقى هي رمز التقدم والتطور والارتقاء ومواكبة التقدم التقني والعلمي، كما تعد الصناعة أقصر الطرق نحو تحقيق معدلات نمو مرتفعة نسبياً.

انعدام الوعي وتفشي الأمية :

أهمية التعليم لا تقتصر على الفرد فقط بل أنها تنعكس بصورة إيجابية على المجتمع ككل؛ من ثم يمكن اعتبار التعليم أحد العوامل الرئيسية الدالة على مدى تقدم الدول والمجتمعات، وقد وضع الخبراء انتشار الأمية وتفشي الجهل ضمن الفروق الرئيسية التي تفصل بين دول العالم المتقدم ومجموعة الدول النامية

بل أن بعض الدراسات ذهبت لاعتبار سوء أوضاع المنظومة التعليمية السبب الرئيسي لتراجع الدول للدرجة التي تجعل منها دولاً نامية، حيث أن سوء التعليم بطبيعة الحال ينعكس بصور سلبية عديدة على مختلف القطاعات الأخرى، كما أنه تردي منظومة التعليم تؤثر سلباً على تكوين الوعي الجمعي للشعوب وهو ما يؤدي إلى فقدانهم للسيطرة على مجريات الشعوب وبالتالي غياب كافة مظاهر الديمقراطية، والنتيجة الحتمية لذلك مزيداً من الفساد ومزيداً من التدهور على مختلف الأصعدة.

التدهور الاقتصادي :

اختلفت طبيعة الحروب ومظاهر الاستعمار بالوقت الحالي كثيراً عن الماضي، حيث صارت الدول الكبرى تُخضع الدول الأضعف لها اعتماداً على القوة الاقتصادية وليس القوة العسكرية، ومن ثم يمكن اعتبار الوضع الاقتصادي أحد العوامل الرئيسية التي تفرق بين الدول العالم المتقدم و الدول النامية

حدد الخبراء في مجال الاقتصاد مجموعة من مظاهر الاقتصاد الضعيف الذي لدول العالم الثالث، من بينها انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي في أسواق التداول، كذلك يعد ارتفاع معدلات الدين الداخلي والخارجي من الأدلة القاطعة على تردي الأوضاع الاقتصادية في بلد معين، هذا كله إلى حجم الاستثمارات وقوة البورصة وبالطبع معدلات دخل الفرد.

ثالثاً : الاختلاف حول مفهوم الدول النامية :

يعاني مصطلح الدول النامية من قصور شديد وذلك لسببين رئيسيين، أولهما هو أن لا يوجد تعريف ثابت للمصطلح أو معايير ثابتة ودقيقة لمجموعة الدول المُدرجة أسفله كما ذكرنا، أما السبب الثاني هو أن مفهوم هذا المصطلح ككل شيء شهد العديد من التطورات، كما أن اختلاف اللغات حول العالم أدى إلى حدوث اختلاف نسبي في مفهومه، والأمر نفسه ينطبق على اختلاف وتعدد الثقافات.

يبقى لدينا في النهاية مفهومين أساسيين لمصطلح الدول النامية أحدهما أصلي والآخر مستحدث، وهما كالآتي:

  • المفهوم الأصلي: يعتقد بأن البلدان النامية هي مجموعة المجتمعات البدائية المتخلفة التي تفتقر إلى أبسط مظاهر التحضر ويعتمد اقتصادها بصورة شبه كاملة على الصناعات البسيطة، وتعاني شعوبها من الفقر والجهل والمرض، مثل عدد كبير من الدول الصغيرة الواقعة ضمن قارة إفريقيا، أنصار هذا المفهوم يستخدمونه كما استخدمه الأمريكي هاري ترومان، أي أنه في نظرهم لا يتعدى كونه مصطلحاً مهذباً يستخدم كبديل لمصطلح الدول المتخلفة.
  • المفهوم المستحدث: يعد هذا المفهوم أكثر شمولية وأدق من الناحية اللغوية، حيث أنه لا يقتصر فقط على الدول شبه المعدمة اقتصادياً، بل يشمل أيضاً مجموعة الدول الآخذة في النمو؛ لذلك فإن أنصار هذا المفهوم يدرجون دول مثل: “الصين، روسيا، البرازيل” ضمن هذا التصنيف، باعتبارها دولاً تسير على طريق التنمية ومن ثم هي “نامية”

Exit mobile version