الرئيسية الشخصيات ابن بطوطة : لماذا يعتبر ابن بطوطة من أشهر الرحالة في العالم...

ابن بطوطة : لماذا يعتبر ابن بطوطة من أشهر الرحالة في العالم ؟

من المعروف إن رحلات ابن بطوطة هي الأشهر في التاريخ الإنساني ولكن السؤال هو لماذا اكتسبت تلك الشهرة؟ وما قيمة رحلات ابن بطوطة؟

0

رحلات ابن بطوطة هي الرحلة الأشهر من في التاريخ الإنساني، وخلاصة تجاربه والدروس التي تعلمها ابن بطوطة خلال ترحاله، تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات الأوروبية، ومن ذلك نتبين مدى أهميتها وقيمتها العلمية، وقد دامت مدة ترحال ابن بطوطة قرابة ثمانية وعشرون عاماً، لم يتوقف خلالها عن التنقل بين المدن والبلاد، وخلال الـ 28 عاماً دأب على تدوين كل ما تراه عيناه، وكل ما تسمعه أذنه، وما لم يقم بتدوينه بنفسه تناقلته ألسنة من استمعوا إلى رواياته، ثم تم تدوينه في وقت لاحق مع إسناده إليه، وهناك الكثير من الدول والحضارات ما كان من الممكن أن نعلم عنها شئ، لولا إن ابن بطوطة قد زارها ووصفها لنا وذكر لنا مميزاتها وعجائبها.

رحلات ابن بطوطة التاريخية :

قبل التعرف على العبر والدروس المستفادة من رحلات ابن بطوطة ،فعلينا أولاً أن نتعرف على شخصية الرحالة العربي الأشهر، ونعرف من أين رحل وإلى أين ذهب.

أولاً : ابن بطوطة والترحال :

ابن بطوطة هو الكُنية التي اُشتهر بها، أما اسمه الحقيقي فهو محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي، ولد في 703 هـ في دول المغرب وبها توفي عام 779 هـ، اشتهر ابن بطوطة بنهمه إلى العلم فكان قاضياً وفقيهاً ومعالج بالأعشاب، ورحلته الأولى بدأت في عام 725هـ، فخرج من المغرب العربي قاصداً مشرقه، فمر في طريقه بالعديد من المحطات أبرزها مصر والشام وفلسطين والجزائر وسوريا والحجاز، وأدى هناك مناسك الحج ثم انطلق إلى العراق وإيران وبلاد الأناضول، وبعد أن مكث هناك لفترة اتجه جنوباً إلى دولة اليمن، ومنها توغل إلى بلاد شرق إفريقيا، ثم كانت مر ببلاد عمان والبحرين، وبعد سنوات عاود ترحاله فاتجه إلى خراسان وأفغانستان والسند والهند وتولى منصب القاضي بمدينة دلهي، ثم كانت رحلته إلى الصين على رأس وفد شكله السلطان محمد شاه، ثم عاد إلى الوطن العربي ماراً بسومطرة، ثم توجه للحجاز فأدى فريضة الحج للمرة الرابعة، ثم قرر أن يعود إلى موطنه الأصلي ليمكث به ما بقى له من عمر، وتوفي هناك وتم بناء ضريح له يعد اليوم من أبرز معالم طنجة.

ثانياً : سر شهرة رحلات ابن بطوطة :

موسوعة جينيس للأرقام القياسية أصدرت النسخة الأولى من كتابها الدوري في 1955م، لكن من المؤكد إنها لو كانت قد صدرت قبل ذلك بحوالي ستة آلاف سنة، لكان محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي أو الرحالة ابن بطوطة أحد أعلمها، ولكان سُجل باسمه رقم قياسي كان من المستحيل التوقع بأن يتحقق يوماً، فعندما نحسب المسافة التي قطعها ابن بطوطة على سطح كوكب الأرض، عابراً المدن متخطياً كافة الحدود السياسية الفاصلة بين البلدان، لوجدنا إنها تُقدر بقرابة 75 ألف ميل أي حوالي 121 ألف كيلو متراً أو أكثر، وهي مسافة لم يقطعها أي رحالة منفرداً قبل ابن بطوطة ،ولم يتمكن أحد من فعلها بعده إلا بعد نصف قرن من الزمان، حين بلغت وسائل النقل درجة من التطور، تجعل قطع مثل هذه المسافات أكثر يشراً وأقل مشقة، الأمر الذي يثبت دون أدنى شك إن ابن بطوطة كان بطلاً مثابراً قبل أن يكون رحالة عظيماً.

ثالثاً : العبرة والفوائد برحلات ابن بطوطة :

أن يقطع شخص بمفرده تلك المسافات الشاسعة، في زمن لم تُعرف به رحلات الطيران أو القطارات المكيفة، فبالتأكيد هو أمر يثير الدهشة والإعجاب، لكن هل يستحق التوقف عنده عند دراسة التاريخ، ويجعل من القائم به واحد من أبرز الشخصيات في تاريخ الدول العربية؟.. قطعاً لا، إنما أهمية رحلة ابن بطوطة واسعة النطاق، تنبع من قيمتها العلمية ودلائلها التاريخية والعبر المستفادة منها، فماذا تكون:

أ) دليل على الحضارة الإسلامية والعربية :

إن كنا نبغى التوصل إلى دليل على ما كنا عليه في سالف الزمان، ونتعرف على معالم حضارتنا العربية والإسلامية، فإن مطالعتنا لم سيرة ابن بطوطة دليل كافي، فمن رحلاته العديدة يمكننا تبين الوحدة التي كانت تربط بين الشعوب العربية، فقد انتقل ابن بطوطة بين العديد والعديد من البلدان، ورصد العديد من الفروق بين البلاد والشعوب، ولكن هكذا كان الأمر بين الأوطان العربية، بينها اختلاف لا خلافات، فقد كان ابن بطوطة يستقبل في كل بلد جديد وكأنه بلده الأصلي، وقد ذكر ابن بطوطة ذلك بمخطوطاته وتسجيلاته لملاحظاته في مواطن عديدة.

ب) مرجع بحثي :

العديد من الأبحاث التي تناولت الحقبة التاريخية التي عاصرها ابن بطوطة ،اعتمدت بنسبة كبيرة على كتبه ومخطوطاته كمصدر لاستفاء المعلومات، وذلك لإن الرحالة العربي عُرف عنه أمانته في النقل، ومن ثم كل معلومة أوردها عن البلدان التي ذكرها، يأخذ الباحث بها وهو واثق من دقتها وصحتها، وما يجعل من رحلة ابن بطوطة مصدر إثرائي للثقافة العربية، هو إنها شملت عدد كبير من البلدان العربية وبلدان قارة إفريقيا، ويُحسب له إنه اهتم بكافة البلاد التي زارها بنفس القدر والاهتمام، فلم يلتفت، بغض النظر عن حجم الدولة ومكانتها في ذلك العصر.

جـ) عجائب الشعوب والحضارات :

إن أردت أن تخوض رحلة ابن بطوطة بنفسك، فإن ذلك ليس من الأمور المستحيلة، فكل ما عليك هو مطالعة كتاب الوزير محمد بن جُزي الكلبي، والذي اختار له عنوان “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.. فقد التحق ابن بطوطة في فترة من حياته بالسلطان أبي عنان المريني، وكان فرداً من أفراد حاشيته، وكان دائم الحديث حول رحلاته وما لاقاه فيها من عجائب وطرائف، وجذب حديث ابن بطوطة اهتمام السلطان المريني، فأمر وزيره الكلبي بتدوين كل ما ينطق به لسان الشيخ الرحالة، وكان نتاج تسجيلات الكلبي لأحاديث ابن بطوطة ،ذلك الكتاب الهام الذي نتحدث عنه، والذي ضم بين جلدتيه العديد من طرائف الأمم وغرائب الشعوب التي حدث ابن بطوطة الناس عنها.

د) الإصرار على بلوغ الهدف :

إن تعريف أطفالنا اليوم بمثل أعلى يحتذون به في كبرهم، فسنجد في ابن بطوطة ورحلاته قدوة وعبرة، فمن خلال استعراض رحلته نتعلم مفهوم الثبات على الرأي والمبدأ، والإصرار على النجاح وبلوغ الهدف مهما كانت المصاعب، فرحلات ابن بطوطة الناظر لها دون وعي أو تعمق، قد يرى فيها شئ من الرفاهية، فما الصعب في أن يتجول رجل بين البلدان ويلتقي بالشعوب، فالأمر أشبه بالرحلات السياحية التي تنظم في عالمنا اليوم، لكن من يطلع على تفاصيل الرحلة، سيدرك حجم المشقة التي تكبدها ذلك الرجل لتحقيق هدفه، فقط قطع الصحاري وركب البحار وتجول بالأحراش، وتعرض لمخاطر عديدة منها المخاطر الطبيعية متمثلة في العواصف والأعاصير، ومنها مواجهته لقراصنة البحار وقطاع طرق البر، وكاد يموت ابن بطوطة أكثر من مرة لكن هذا كله لم يثنه عن مواصلة رحلته، وتحقيق هدفه منها وهو دراسة الثقافات المتعددة والتعرف على مختلف الحضارات.

هـ) التعلم من السفر :

للسفر والاختلاط بالثقافات الأخرى والتعرف بالشعوب المختلفة فوائد عديدة، أهمها على الإطلاق هو إن الآفاق تتسع، ويتعلم الإنسان خلال ترحاله أشياء ما كان يتصور أن يتعلمها يوماً، فاليوم نقول إن من يريد أن يتقن لغة أجنبية، مثل اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، فإن الطريقة المثلى لتحقيق ذلك تتمثل في الاختلاط بأهلها، وإن اتخذنا من رحلة ابن بطوطة مثال على ذلك، فسنجد إن الرجل بالفعل نتيجة ترحاله وتنقله بين الدول، صار يتحدث لغتين بطلاقة بجانب اللغة العربية لغته الأم، وهما اللغة الفارسية واللغة التركية، هذا فيما يخص العلوم اللغوية فقط، أما إذا نظرنا إلى باقية فروع العلم، فسنجد إن ابن بطوطة خلال رحلاته التقى بكبار الفقهاء والمفسيرين، فزاده ذلك تعمقاً في العلوم الدينية، كما إن قراءة التاريخ شئ ورؤيته بأم العين شئ آخر، وتنقل ابن بطوطة بين البلاد مكنه من لمس حضارتها والتعرف على تاريخها، وباختصار فإن ترحال ابن بطوطة جعل عقله أشبه ما يكون بالموسوعة العلمية.

Exit mobile version