بدأت بريطانيا العظمى تحركاتها الاستعمارية منذ القرن الخامس عشر تقريبًا وظلت تتوسع على حساب الدول الأخرى حتى منتصف القرن العشرين، وقد ذكرت الإحصائيات التاريخية أن بريطانيا في أزهى عصورها قد شملت ربع مساحة العالم بنسبة خمسة وثلاثين كيلو متر مربع، وعدد السكان الذين تحت إمرتها قارب الخمسمائة مليون شخص، أي ما يقارب ربع العالم مساحة وسكانًا، وقد بدأت بريطانيا بالتوسع على حساب جيرانها في أوروبا، ثم مع مرور الوقت قررت التدخل في أسيا نظرًا لشهرتها بالتوابل والنباتات النادرة، وبالفعل قامت بعمل شركة الهند الشرية البريطانية ومن خلالها امتلكت الهند بأسرها ثم توسعت في أغلب مناطق أسيا، ثم مع ظهور الثورة الصناعية الكبرى بدأت في البحث عن الدول المليئة بالمواد الصناعية اللازمة لسير العملية الصناعية، فكانت قارة إفريقيا هي الخيار الأمثل لذلك فبدأت بالتوسع كثيرًا في مناطق عديدة من القارة، وبذلك ضمت تحت إمرتها مناطق مختلفة في أوروبا وأسيا وأفريقيا، ونحن هنا سنتعرف على أسباب كونها أكبر دولة استعمارية في التاريخ، فتابعوا معنا.
السر وراء أكبر دولة استعمارية في التاريخ
يرجع السر الذي جعل من بريطانيا هي أكبر دولة استعمارية في التاريخ حيث استطاعت استعمار الكثير من أراضي العالم إن لم يكن جميعها هو قواتها البحرية، هذه القوة التي امتلكت زمام العالم أجمع فعندما كانت تحاول أي دولة القضاء على بريطانيا تقف بحريتها كالسد المنيع الذي يردهم على أعقابهم، هذا بجانب أن هذه البحرية كانت تجول في منطقة البحر المتوسط وتحكم الحصار على الدول التي يتوجه إليها الجيش البريطاني الكبير، والدول التي استعمرتها بريطانيا هي:
الاستعمار البريطاني الأول لأفريقيا
ينقسم الاستعمار البريطاني لأفريقيا إلى قسمين الأول في القرن السادس عشر والثاني في القرن التاسع عشر، أما الأول ففيه قامت بريطانيا باحتلال أجزاء من دولتي نيجيريا وسيراليون، كان الهدف الرئيسي من احتلال بريطانيا لهذه الدول جلب الرقيق للعمل في مستعمراتها الأخرى أو لبيعهم للدول الاستعمارية المجاورة، فبدأت باحتلال ما بين غامبيا إلى سيراليون واعتمدت فيه على جلب الرقيق في المقام الأول ثم زيت النخيل والعاج في المقام الثاني، فكانت السفن البريطانية تخرج من ليفربول محملة ببعض المنسوجات القطنية والمجوهرات الرخيصة وتقوم ببيعها لهذه الدول بأثمان باهظة ثم تعود محملة بالعاج الثمين وزيت النخيل وبعضًا من الرقيق، وقد قامت بريطانيا بعقد اتفاقية مع إسبانيا لبيع الرقيق واتفقوا على بيع أكثر من مائة وأربعين ألف خلال عامين تقريبًا، وهذا رقم كبير بالنسبة للقرن السادس عشر.
ثم في منتصف القرن السادس عشر قام البريطانيون ببناء قلعة كبيرة في غامبيا سميت “فورت جيمس” وكانت هذه القلعة بمثابة العاصمة البريطانية في هذه المناطق فتقوم بتخزين البضائع والرقيق بها لحين تفريغ السفن وعودتها مرة أخرى، ثم قامت بريطانيا بإدخال الأسلحة النارية مناطق نيجيريا لترويع السكان من بطشهم حتى تستتب لهم الأمور، لأن النيجريين كانوا لا يهدئون فلا تمضي بضعة أشهر حتى يخرجون بثورة مسلحة عليهم ولذلك ردعهم البريطانيين بالأسلحة النارية.
الاستعمار البريطاني الثاني لأفريقيا
يعتبر هذا الاستعمار الذي حدث في القرن التاسع عشر هو الأكبر من نوعه فقد شملت حدوده أغلب مناطق أفريقيا شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا، حيث قامت بريطانيا بتوسيع نشاطها في غرب إفريقيا عن طريق ضم دولتي النيجر ونيجيريا بأكملها، وذلك من خلال الشركة البريطانية التي أنشأت في هذه البلاد وقامت بريطانيا بتقسيم نيجيريا إلى ثلاثة أقسام رئيسية هما لاجوس ومحمية نيجيريا الجنوبية ومحمية نيجيريا الشمالية، ثم في الجنوب والوسط الأفريقي استطاعت بريطانيا فرض سيطرتها ونفوذها على منطقة الرأس التي كانت تابعة لهولندا، ثم تلتها ناتال التي هاجر إليها البوير الهاربين من البطش البريطاني، ثم جمهورية الترنسفال وبتسوانا لاند وسوازيلاند، وروديسيا في الوسط، وهكذا احتلت أغلب مناطق الجنوب والوسط الأفريقي.
ثم انتقلت بريطانيا إلى الشمال الشرقي لقارة إفريقيا وقامت بالتدخل في الشئون المصرية والسودانية ومع مضي بعض الوقت تدخلت بريطانيا عسكريًا حتى أجبرت القوات المصرية المرابطة في السودان على الخروج منها وإتاحة المجال لها لإنشاء مستعمراتها كما تشاء، وعملت بريطانيا على تكميم أفواه المصريين لأطول فترة ممكنة فمنعت التظاهرات والاحتجاجات بالقوة، وكعادة المصريين لم يرضوا بالاستكانة لهم وظلت المقاومة المصرية مستمرة دائمًا حتى خرج البريطانيون في النهاية، وقامت بريطانيا أيضًا بضم أوغندا وزنجبار وكينيا وذلك لأن طريقة الملاحة بين قناة السويس وشبه الجزيرة العربية كان يمر على هذه الدول ولذلك عملت بريطانيا على ضمها لكي تأمن طريق التجارة الخاصة بها.
الاستعمار البريطاني في الهند
أول ما سعت إليه بريطانيا العظمى في أسيا هي دولة الهند الكبيرة وذلك بفضل متاجرها العظيمة واشتهارها بكثرة التوابل والنباتات النادرة في أراضيها، فقامت الحكومة البريطانية بإنشاء شركة الهند الشرقية الإنجليزية وذلك بأمر من الملكة إليزابيث، وذلك لأن أوروبا لم تكن تعرف التوابل أو الأفاويه فكانوا يأكلون اللحم كما هو إلى أن عرفوا الهند وما لديها، ثم كانوا يتلهفون لتذوق أكلات جديدة غير اللحم كالسمك مثلًا ثم بحثوا عن الخمور أيضًا كل هذا كانت تمتلكه الهند، فلذا قاموا بإنشاء هذه الشركة الاحتكارية التي كبرت مع الوقت حتى استعمرت الهند بأكملها، وما شجع البريطانيين على النزول إلى الهند هو احتكار هولندا للتجارة الشرقية ورفعها للأسعار فبعدما كان الفلفل الأسود يباع بثلاثة شلنات تم رفع سعره إلى ثمانية وهذا يعتبر ثلاثة أضعاف السعر القديم.
فلذا قرر البريطانيون أن ينزلوا للشرق بأنفسهم وكانت أول سفينة تدخل الهند في مطلع القرن السابع عشر وعادت إلى بريطانيا بحمولة كبيرة جدًا بلغ فيها حجم الفلفل الأسود مليون رطل تقريبًا، وبعدها بعشرة أعوام وسعت نشاطها حتى أخذت المنسوجات من بومباي ثم بعد ثلاثين عام احتلت بومباي أو مومباي حاليًا بأكملها، وأخذت بريطانيا تسير وفق هذا المنهاج حتى احتلت الهند التي تعد من أكبر دول قارة أسيا بل والعالم أجمع.
استعمار أغلب أجزاء قارة أسيا وبعد استتباب الأوضاع في الهند تطلعت بريطانيا العظمى إلى ضم بعض أجزاء أسيا الأخرى، فاستعمرت بورما المجاورة للهند، ثم ماليزيا، وسنغافورة، وبروناي، وكانت هذه الدول مجاورة للهند ولذا كانت شركة الهند الشرقية البريطانية تسعى لبسط نفوذها وتأمين ذاتها في المناطق المجاورة، فقامت بريطانيا بإنشاء العدد من المستعمرات والموانئ البحرية وطورت في هذه البلاد كثيرًا، وهذا التطوير لم يكن لجمال عيون هذه الدول بل كان لمصالحها الشخصية وجلب ما بهم من ثروات طبيعية قد حباهم الله بها، ففي سنغافورة تم عمل شركات لتصنيع المطاط وتوزيعه على الدول الأوروبية التي كانت مهتمة بالتقدم الصناعي بأثمان ليست بالقليلة، ثم طورت تجارتها في بروناي لتأخذ الشاي الأسود والأخضر منها وتنقله لأراضيها الأوروبية وبيعه للدول التي تحتاج إليه.
وقد كان الشاي بنوعيه غير معروف في أوروبا ولذا عندما دخل إليهم نال أعجاب الكثيرين من الشعب الأوروبي ولذا حرصت بريطانيا على تصديره إليهم بأثمان جيدة، وتشبثت كثيرًا بهذه الدول التي كانت تدر لهم الكثير من الأموال برأس مال قليل بعض الشيء، فالعمال أصلًا كانوا رقيقًا من أفريقيا فباختصار الأمر مربح بكل تأكيد، وقد ظلت هذه الدول تابعة للحكم البريطاني حتى الحرب العالمية الثانية تقريبًا حتى دخلتها اليابان لفترة من الوقت، ثم بعدها نالوا استقلالهم في النصف الثاني من القرن العشرين.
استعمار بريطانيا لأغلب الدول العربية
قامت بريطانيا باستعمار أكثر من أربعة عشر دولة عربية مع بداية القرن التاسع عشر حتى العام السابع والستين من القرن العشرين أي في غضون قرن ونصف تقريبًا، فبدأت بالكويت ثم الإمارات العربية المتحدة ثم اليمن والسودان ومصر ثم الصومال والعراق ثم فلسطين والأردن ثم المغرب العربي، وكانت نواياها في كل دولة من الدول العربية متشابهة بعض الشيء فاليمن دخلتها للتحكم في مدينة عدن المطلة على خليج عدن البالغ الأهمية نظرًا لأنه يعد مفتاح خطير للبحر الأحمر، ثم العراق التي طمعت فيها بريطانيا لسببين خطيرين الأول هو النفط المتواجد بها بكثرة، والثاني هو أنها تقع في الطريق المؤدي إلى متاجر الهند الشرقية التابعة لبريطانيا، ولذا حرصت بريطانيا على إحكام السيطرة على العراق لمدة طويلة تقارب الخمسين عام.
ثم دخلت فلسطين لمكانتها الدينية ولموقعها الجغرافي الهام الذي يطل على البحر المتوسط ويربط قارتي أفريقيا وأسيا ببعض، ثم بلاد المغرب لقربها من أوروبا فما يفصلها سوى مضيق جبل طارق ثم تكون إسبانيا والبرتغال، ولذا احتلت بريطانيا أغلب الدول العربية لكي تقوي من سلطتها وقوتها في العالم، ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت هذه الدول بعمل ثورات قوية اضطر فيها البريطانيين إلى الخروج من أراضيها جميعًا.
إنشاء المستعمرات البريطانية في كندا
من الدول التي استحوذت عليها بريطانيا هي كندا وقد أقامت بها الكثير من المستعمرات التي جعلتها تتحكم بزمام الأمور في الأراضي الكندية، حيث أنه قبيل القرن التاسع عشر تمكنت البعثة العسكرية التي أرسلتها السلطات البريطانية من الدخول إلى الأراضي الكندية الواقعة في أمريكا الشمالية، ولم تلقى هذه البعثة مقاومة شديدة فالكنديون كانوا مسالمين بجانب أن بريطانيا جاءت البلاد تحت راية إعلاء شأن هذه البلاد، وهذا ما جعل الكنديون لا يصدرون أية مشاجرات أو قتال يهلك أرواحهم وفي الأخير ستدخل بريطانيا البلاد عاجلًا أو أجلًا، فدخلت بريطانيا وقامت بإنشاء بعض المستعمرات التابعة لها على تلك الأراضي وأصبحت لها الصلاحيات في اتخاذ قرارتها بنفسها بل وفرضها على الشعب الكندي، ففي العام السابع والأربعين من القرن التاسع عشر قامت بريطانيا بتطبيق نظام الحكم الذاتي، وأصبح لمجلس الوزراء الحق في ممارسة الصلاحيات التنفيذية بدون أي قيود عليه، وأما القرارات التي تتعلق بالشأن الخارجي فستكون بيد حاكم تعينه السلطات البريطانية في كندا.
ولم يقتصر هذا القرار على كندا وحدها بل خرج ليطبق في أستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا، ومن يتولون الحكم من قبل بريطانيا لابد من كونهم سكان أصليين في البلاد ولكنهم في خدمة بريطانيا ومصالحها، وما زالت إلى الآن بعض المستعمرات البريطانية موجودة كما هي مثل مستعمرة كولومبيا البريطانية في دولة كندا المستقلة، وهذه المستعمرة الآن عبارة عن محافظة كبيرة مليئة بالمدن وعاصمتها فيكتوريا على اسم المدينة البريطانية الشهيرة، ويوجد بها أكثر من خمسة ملايين نسمة، وهناك أيضًا في جنوب أفريقيا مستعمرة كيب وناتالي لا يزالوا تحت الحكم البريطاني.
الكاتب: أحمد علي