مما لا شك فيه أنك إذا جلست لوضع قائمة بأفضل اللاعبين خلال السنوات العشر الأخيرة فسوف يكون الأرجنتيني ليونيل ميسي على رأس هذه القائمة، وكذلك إن أردت تصنيفه ضمن أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم بشكلٍ عام فسوف يكون حاضرًا وبشدة، فهذا اللاعب ليس لاعبًا طبيعيًا بالمرة مقارنةً بالأداء المُبهر الذي قدمه منذ ظهوره وأسر الملايين، بل والمليارات من البشر يا سادة يعرفون جيدًا من هو ليونيل ميسي لدرجة أن شهرته قد فاقت رؤساء دول العالم بما في ذلك رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذين يتردد اسمهم باستمرار بوصفهم حكام أقوى دولة في العالم، لكن كل هذا لا يعنينا الآن، ما يهمنا حقًا أن نعرف كيف تمكن ذلك اللاعب النابغة من أن يتحول خلال عِقد واحد إلى أفضل لاعب في العالم دون وجود أية منافس له تقريبًا، ولتكن البداية في السطور التالية مع السبب الأول، وهو قدرته المدهشة على المراوغة.
المهارة وقدرته المدهشة على المراوغة
في عالم كرة القدم أن تكون قادرًا على المراوغة فهذا يعني الكثير والكثير، فالأمر ببساطة أن اللاعبون يلعبون كرة القدم بتكتيك وخطط معينة، وتلك الخطط تتشابه وتتشابك، ولذلك يُمكننا القول إنه لا أحد سيكون بإمكانه امتلاك الأفضلية على الآخر في ظل الالتزام بالتعليمات، شيء واحد فقط سيدو فاصلًا وفارقًا، تلك القدرة المدهشة التي يمتلكها بعض اللاعبين على المراوغة وإيجاد حلول غير مطروقة من قبل، وهذا ما لم ينجح فيه أي لاعب بكل تأكيد، وإنما أشخاص معينين يمتلكون تلك القدرة كهِبة من السماء، وإذا تحدثت عن تلك النوعية من اللاعبين فيُمكننا القول أنهم جميعًا يأتون في كِفة وليونيل ميسي المُدهش يأتي في كِفة أخرى تتفوق عليها.
منذ أن ظهر ميسي في سن السادسة عشر وهو يُطلع العالم على أساليب مدهشة في المراوغة ومهارات لا يُمكن لأحد أن يتخيل أنها موجودة من الأساس، مهارات تجعل ميسي في خانات المُخترعين لكرة قدم جديدة وليس مجرد لاعب كرة قدم عادي، ولذلك لم نبالغ عندما قلنا إن ميسي يتواجد في كِفة أخرى مُختلفة تمامًا عن تلك التي يتواجد بها بقية اللاعبين بمهاراتهم وقدرتهم على المراوغة، وبالمناسبة، هذا هو رأي هؤلاء اللاعبون أنفسهم في ذلك الرجل، هذه هي الحقيقة.
تسجيله عدد هائل من الأهداف
ذكرنا للتو أن مهارة ليونيل ميسي المُدهشة تضعه بلا شك في مصاف الكبار وتجعله أفضل لاعب في العالم، لكن المهارة وحدها لا تكفي لفعل كل ما يُريده ميسي، فمن الممكن جدًا أن يكون هناك لاعبين لا نعرف عنهم يمتازون بمهارة مقاربة لمهارة ميسي، لكنهم لا يستخدمونها في تسجيل الأهداف، وهنا يظهر الفارق الجلي، حيث أن ميسي يا سادة، وخلال عشر سنوات فقط، تمكن من تسجيل أكثر من خمسمائة هدف، وعلى سبيل الاحتمال والتقريب فإنه خلال سنوات خمس قادمة سوف يُمارس فيها كرة القدم يُمكنه أن يُسجل عدد مماثل لمثل هذا العدد، أي بمعنى أدق ألف هدف، تخيلوا أن لاعب واحد فقط يُسجل في مسيرته الكروية ألف هدف بينما يُقيم الآخرون احتفالات جمة بعد تسجيل مئة هدف فقط!
أهداف ليونيل ميسي لا تُعتبر مجرد أهداف عادية يتم تسجيلها في المباريات التي يلعبها، وإنما يُمكننا القول إنها تحتوي على لمسة جمالية مُدهشة تجعل تلك الأهداف عالقة في الأذهان لفترةٍ طويلة من الزمن، وبالفعل هناك أهداف يُقال إنه لا أحد قادر على تسجيلها بخلاف ميسي، وإذا بحثنا في كل الأهداف التي قام بتسجيلها فسنجد أنه لا يتواجد هدف سيء بينها، فكلها أهداف رائعة تدل دلالة واضحة على أن من سجلها شخص مُبدع من عالم آخر، شخص لا ينتمي أبدًا إلينا.
مساعدة فريقه في السيطرة على البطولات
في السبب السابق قلنا إن أهداف ليونيل ميسي كانت سببًا في جعله أفضل لاعب في العالم، بيد أن أفضل لاعب في العالم من الواجب عليه امتلاك ميزة أخرى تجعله مُميزًا عن الآخرين، وهي تسجيل الأهداف بوفرة مما يؤدي إلى مساعدة الفريق الذي يلعب به في صراعه لحصد الكثير والكثير من البطولات، صحيح أن الإنجازات تُحسب للشخص صاحب الأهداف لكن كرة القدم في الأصل لعبة جماعية، إذا لم تجتهد كي تجلب لفريقك البطولات فإن كل ما فعلته سوف يبدو وكأنه شيء بلا قيمة، لكن البطولات ستعطيك مجد جماعي من نوع آخر، فعندما تُذكر بطولة من البطولات يُذكر الأشخاص العظماء الذين ساهموا في الحصول عليها وظفروا بها من المنافسين.
أغلب البطولات التي حصل عليها فريق برشلونة خلال الألفية الحديثة كانت بالأساس بفضل ميسي وجهده الكبير مع الفريق، فقد حصل مع برشلونة على الدوري الإسباني والكأس الإسباني والسوبر الإسباني، كما حصل كذلك على بطولة دوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي، ثم كانت بطولة كأس العالم للأندية، بمعنى أدق، لقد ظفر بكل البطولات الموجودة في العالم، ولا يُمكن لأي لاعب آخر أن يحلم يومًا بالوصول إلى ما وصل إليه ميسي، إلا إذا كان استثنائي مثله.
حصوله على جائزة أفضل لاعب في العالم
الأسباب التي ذكرناها كلها أسباب تقريبية، بمعنى أننا لم نرى كل لاعبي العالم ونعرف أنه ثمة من أحرز أهداف أكثر من ميسي أو يمتلك مهارة تفوقه، ولهذا لا يُمكننا الجذم بها مئة بالمئة، لكن بالتأكيد ثمة أسباب أخرى تُمكننا من الاعتراف والتسليم بأن ذلك الشخص هو الأفضل في عالم كرة القدم، ومن ضمن هذه الأسباب مثلًا أنه قد سبق وحصل على جائزة أفضل لاعب في العالم لفترات طويلة، خمس مرات على سبيل التحديد، وتلك الجائزة يمنحها الاتحاد الدولي المُخصص للعبة، والذي تكون مهمته الرئيسية مراقبة كل لاعبي العالم والدوريات التي يلعبون بها ومعرفة أيهم أفضل ويستحق الحصول على الجائزة، أي أنها جهة رسمية تُدير اللعبة وتُعطي لقب الأفضل لمن تراه يستحق، فهل هناك سبب أفضل من ذلك لاعتبار ميسي أفضل لاعب كرة القدم بعد اعتراف أصحاب اللعبة إن جاز التعبير؟
الجائزة الأولى لميسي كأفضل لاعب في لعبة كرة القدم كانت عندما كان سن الفتى لا يتجاوز العشرين عامًا، وهذه معجزة بكل تأكيد، بيد أنها لم تكن المعجزة الوحيدة، فحصوله على هذه الجائزة لثلاث سنوات مُتتالية يُعد دلالة واضحة على أن عرش كرة القدم كان خاويًا ومُستباحًا لهذا الرجل فقط، على كلٍ، ما زال بإمكان ميسي نيل هذه الجائزة مرات ومرات أخرى، وهنا تكمن قوته، فهو لا يتوقف قط عن الزحف نحو كرسي عرش الكرة.
الرجل الأول في دولة الأرجنتين
هل الدول هي التي تصنع الأشخاص أم أن الأشخاص هم الذين يصنعون الدول؟ في الظروف العادية الطبيعية السائدة يُمكننا القول أن الإجابة تكمن في الخيار الأول، أجل الدول هي التي تصنع الأشخاص، لكن بالنسبة لحالة النجم ليونيل ميسي فيُمكننا القول بلا تردد أن الأشخاص يُمكن كذلك أن يصنعوا الدول، فلا أحد يعرف الأرجنتين إلا من خلال رجلها الأول ميسي، وقديمًا كان يُمكنك أن تقول لشخص غريب عنك أنك رجل أرجنتيني لتنتظر ساعات طويلة حتى يُدرك أخيرًا أن الأرجنتين هذه دولة مثل باقي الدول، ثم تنتظر ساعات أطول لكي تشرح له مكان هذه الدولة على الخريطة، لكن الآن باتت الأمور أسهل بكثير، حيث يُمكنك تعريف الدولة بجملة واحدة، فقط تقول أنها بلد اللاعب الشهير ميسي.
حمل ليونيل ميسي الأرجنتين على كتفه ثم صعد بها إلى القمة، فإذا كنا سنتحدث عن الدولة كدولة فإن ليونيل ميسي يمتلك الفضل في تعريف العالم بها وكشفها سياحيًا للجميع، وإذا كنا سنتحدث عنها كمنتخب كرة القدم فإنه لا وجود للمنتخب دون تواجد ميسي، فهو الذي يخوض المباريات حاملًا العبء كاملًا على عاتقيه، ولكم أن تتخيلوا أن الفريق والمدرب يتحملان خمسين بالمئة فقط من الخسارة بينما يتحمل ميسي الخمسين بالمئة المتبقية بمفرده، وهذا ليس اضطهادًا له بقدر ما هو تقديرًا لدوره ومكانته كأفضل لاعب في العالم.
الحصول على الإشادة الدائمة من المنافسين
من المعروف طبعًا أن آخر شيء قد يفعله المنافس لك في أي مجال من المجالات أن يقوم بالإشادة بك، فهو أصلًا يُنافسك ويتمنى سقوط طوال الوقت، لذلك فإن هذا سوف يتناسب عكسيًا مع رغبته في نجاحك، لكن عندما يتعلق الأمر باللاعب الأفضل ليونيل ميسي فإن كافة الموازين والقواعد تختلف، حيث أن إشادة اللاعبين المنافسين لميسي بتفوقه لم تتوقف منذ ظهوره وحتى الآن، وبالمناسبة، هذا لا يدل أبدًا على أن هؤلاء اللاعبين يحبون ميسي ويشهدون بالحق، لكن إنكارهم لتفوقه أشبه بإنكارهم لضوء الشمس، فالأمر واضح للجميع، وإذا تجرأوا وقالوا أن ميسي ليس الأفضل فإن الملايين المُتابعين لكرة القدم على مستوى العالم سوف يقفون لهم بالمرصاد، لذلك فالأفضل لهم بالطبع الاعتراف بما هو واقع فعلًا.
كما ذكرنا، منذ اليوم الأول لظهور ذلك الفتى الذهبي وهو يحظى بالإشادة من الجميع، حيث أنه بلا أي رحمة قد قام بإسقاط نجوم عظام من على عرش كرة القدم في فترة لم تتجاوز العشر سنوات، حتى أن المنافسين له عندما يذهبون في حفل لتوزيع الجوائز ويكون منافسهم ميسي فإنهم يدركون على الفور أن وجودهم في الحفل وجود صوري لا قيمة له، فالفائز في النهاية ميسي، لسبب بسيط، وهو أنه الأفضل في العالم بلا منازع.
ثبات مستوى ليونيل ميسي طوال فترة اللعب
هناك سبب آخر مُدهش يجعل من ليونيل ميسي اللاعب الأفضل في العالم دون مُنازع، وهو أن مستواه لا يزال ثابتًا منذ ظهر قبل أكثر من عشر سنوات، فعلى الرغم من أن سنة حياة لاعب كرة القدم تُجبره في فترة من الفترات على انخفاض مستواه أو ارتفاعه إلا أن تلك السنة لم تجري على المُدهش ليونيل ميسي، فمنذ ظهوره لم يحدث أبدًا أن قيل في موسم من المواسم أن ذلك اللاعب لم يعود ميسي الذي نعرفه، أو أن تألقه كان مجرد حالة مر بها وانتهت.
أكبر دليل على ثبات مستوى ليونيل ميسي أنه منذ ظهوره وهو يترشح على جائزة أفضل لاعب في العالم، والتي يترشح لها ثلاثة لاعبين فقط يصلون إلى الحفل الختامي، وفي كل مرة كان يتواجد ميسي في هذا الحفل كأحد المرشحين، وقد استطاع اقتناص هذه الجائزة أكثر من خمس مرات، مما يدل على أنه دومًا في الصورة ومستواه ثابت كأفضل لاعبي العالم على الإطلاق.