الرئيسية العملي لماذا شهر فبراير هو الأقصر ؟ و لماذا أُقصر ضمن التقويم؟

لماذا شهر فبراير هو الأقصر ؟ و لماذا أُقصر ضمن التقويم؟

0

شهر فبراير هو أقصر شهور السنة، وحتماً أثار ذلك الأمر تعجبك وبعث في ذهنك التساؤل عن السر، فبينما شهور السنة جميعها تتراوح ما بين 30 : 31 يوماً، نجد شهر فبراير وحده يتشكل من 28 يوماً، وكلما حلت سنة كبيسة زادته يوماً ليصبح 29 يوماً، فما السبب ولَمَ ذلك الشهر تحديداً يأتي منقوصاً؟

شهر فبراير .. وسر قصره

كي نتعرف على سر انتقاص شهر فبراير بعكس الشهور الأخرى، فعلينا أن نعود إلى نقطة البداية، والتي تعود إلى زمن الامبراطورية الرومانية، فهم أول من عرفوا نظام التقويم تبعاً لفصول السنة، وهم أول من وضعوا شهر فبراير في ذلك السياق، وكان بحسب لغتهم يسمى شهر فبراريوس.

تقويم رومولس وبداية المُعضلة :

خلال عام 738 قبل الميلاد تقريباً، حين أقرت الحضارة الرومانية نظام تقويمها والمسمى بتقويم رومولس، ولكن ذلك التقويم كان يعاني من قصور كبير، إذ كانت عدد شهور السنة -وفقاً له- عشرة شهور فقط، وكان عدد أيام كل شهر منها يتراوح ما بين 30 : 31 يوماً، وأشتق من هذا التقويم بعض اسماء الشهور المعمول بها حالياً، لكن التقويم ذاته قد أغفل أشهر أخرى من شهور السنة، وكانت تحتوي بعض الشهور المعمول بها حتى اليوم، في حين أغفلت أشهر أخرى من بينها شهر فبراير ،مما نتج عنه عجز زمني أو بمعنى آخر صارت السنة منقوصة.

تقويم رومولس :

تقويم رومولس الذي غفل شهر فبراير وشهور الشتاء عموماً، كانت الدورة السنوية تبعاً له تتكون من عشرة أشهر فقط، وكان ذلك هو السبب الرئيسي للعوار الذي أصاب ذلك النمط من التقاويم، تأتي مُرتبة كالآتي:

  1. مارتيوس: 31 يومًا
  2. أبريليوس 30 يومًا
  3. مايوس 31 يومًا
  4. جونيوس 30 يومًا
  5. كوينتيليس 31 يومًا
  6. سكستيليس 30 يومًا
  7. سبتمبر 31 يومًا
  8. أكتوبر 30 يومًا
  9. نوفبمر30 يومًا
  10. ديسمبر 30 يومًا

وتلك الفصول المذكورة كانت تشكل ثلاثة فقط من فصول السنة، هما الربيع والصيف والخريف، وذلك يتضح من مجموع عدد أيام تلك الشهور، الذي يتضح منه أن السنة الرومانية كانت تتكون من حوالي 304 يوماً فقط، وهناك قرابة 60 يوماً غير محتسبة ضمن السنة، وهي الفترة التي كانت تشهد خلالها الأمبراطورية فصل الشتاء.

سبب إغفال الشتاء :

فصل الشتاء لم يسقط سهواً من تقويم رومولس، بل أن واضعي ذلك النمط من حساب الأيام والسنين، عمدوا إلى إغفال ذلك الفصل، وعدم عَدّ شهوره ضمن السنة، وهذا لأن الهدف الرئيسي من أسلوب التقويم ذلك، كان خدمة أعمال الزراعة ومعرفة مواقيت حصد المحاصيل وما إلى ذلك، ولأن فصل الشتاء لا يقم خلاله الرومان بممارسة الزراعة، وذلك بسبب سوء الطقس وتقلباته، فلم يهتموا بوضع مصطلحات معروفة يُشار بها إلى تلك الفترة، فقد كان الشتاء يعرف بأنه “لا شيء” أو يقال أنه “فصل الشتاء” وحسب، أي كان التعامل كان يتم مع الـ 61 يوماً كمجموعة واحدة، ولم يهتم أحد خلال تلك الفقرة بتقسيمهم إلى شهور منفصلة، ولكن بعد فترة انتبه البعض إلى أنه لا يجب أن تكون هناك فجوة بالدورة السنوية، ويجب أن يكون العام بأكمله مترابط، من خلال سلسلة من الشهور المتعاقبة المتصلة ببعضها، ومن هنا كانت فكرة استحداث شهرين، يتم بواسطتهما سد الفجوة الزمنية التي تتخلل الدورة الزمنية، وبالطبع كان شهر فبراير أحد هذين الشهرين.

بومبيليوس وإضافة شهر فبراير :

نوما بومبيليوس هو أحد ملوك الرومان ورواد حضارتهم، وهو ثاني حكام روما وتولى عرشها في الفترة ما بين عامي 715 : 673 ق.م، وكان لنوما بومبيليوس العديد من الإسهامات، التي أدت إلى الارتقاء بالحضارة الرومانية على كافة المستويات، فهو بعكس سلفه -رومولوس- لم يكن كامل تركيزه منصباً على الجيش، بل عمد إلى الارتقاء بالحياة الثقافية والدينية بالمجتمع الروماني، فقام بإنشاء المكتبات وإقامة المعابد، كما اهتم اهتمام بالغ بمجالي الصناعة والزراعة، وهو الأمر الذي دفعه إلى التفكير في إضافة شهر فبراير إلى شهور السنة الرومانية.. كيف ذلك؟

حين اتسعت رقعة الامبراطورية الرومانية، وفرضت سيطرتها على مساحات شاسعة من كوكب الأرض، لم يعد النشاط الزراعي مقتصر على الربيع والصيف فقط، فثمة بلدان أخرى كان طقسها ملائماً للزراعة خلال الشتاء، ومن ثم اكتشف الرومان أن جدول الشهور الذي وضعوه في الأساس من أجل الدورة الزراعية به قصور، وتساءل الملك بومبيليوس عن فائدة ذلك التقويم، إن كان بوضعه هذا يتجاهل 1/6 العالم تقريباً.. وأصدر أمراً إلى العلماء، بضرورة تعديل التقويم الروماني ليصبح مكوناً من 12 دورة صغرى، وبذلك تم إدخال شهر يناير و شهر فبراير إلى منظومة التقويم للمرة الأولى.

شهر فبراير لم يكن الثاني :

غرائب شهر فبراير وقصة نشأته وإقراره، مليئة بالعديد من المفارقات والغرائب، الأمر الذي يمكنه معه وصفه بأنه شهر غير عادي وخارج عن المألوف، فـ شهر فبراير حين أقر من قبل الملك لم يكن بترتيبه المعروف اليوم، فوفقاً لتقويمنا الشائع استخدامه حالياً، يأتي شهر يناير و شهر فبراير في بداية التسلسل على التوالي، بينما حين أقرا في زمن الملك نوما بومبيليوس لم يكونا كذلك، بل كان على النقيض أي في ذيل قائمة الشهور، فقد كان شهر ديسمبر آنذاك يأتي بالترتيب العاشر بحسب التقويم الروماني، بينما شهر فبراير كان يحمل رقم 12 ضمن الشهور.

لماذا شهر فبراير منقوص ؟

لإتمام الدورة السنوية كان لابد أن يبلغ تعداد أيام السنة 355 يوماً، ولكن بتقسيمهم على الـ 12 الشهر الذي يتكون منهما العام، لم يكن من الممكن أن يتم توزيعهم عليهم بالتساوي، ولهذا كان لابد أن يتم انتقاص يوم من أحد الشهور، ووقع الاختيار آنذاك على شهر فبراير ليكون هو المنقوص وذلك لسببين، أولهما هو أنه الشهر الأخير في منظومة التقويم الروماني، وثانيهما أن شهر فبراير كان آنذاك شهراً مستحدثاً، فلم يرغب القائمون على وضع التقويم في انتقاص يوم من شهر معروف من قبل، اعتاد العامة على أنه يتشكل من 30 أو 31 يوماً.

مشكلة التزمن :

بعد عِدة سنوات من إقرار نظام التقويم الجديد، لاحظ الرومان أن فصول السنة لم تعد متوافقة مع شهورها، فبدأت آمارات الشتاء تظهر في فصول الصيف، والحرارة كانت ترتفع في الشهور المُميزة لمقدم الشتاء، فانتبهوا إلى أن ذلك القصور ناتج عن عدد أيام دورة العام وفقاً لحسابهم، وفي زمن يوليوس قيصر توصل العلماء وأهل الفلسفة إلى حل المعضلة، والذي تمثل في زيادة عدد أيام السنة إلى 365 يوماً، وبذلك عاد التقويم الروماني إلى المسار الصحيح، إلا أن شهر فبراير ظل الشهر المنقوص ضمن المنظومة، رغم أن ترتبيه تغير حين أصبح العام يبدأ بشهر يناير.

شائعة سرقة أغسطس لليوم :

شهر فبراير واليوم المنقوص من تعداد أيامه، دفع البعض إلى الاعتقاد بالعديد من النظريات، منها ما كان به شيء من المنطق رغم خطأه، ومنها ما اعتقد البعض صحته رغم رفض العقل والمنطق له، ومن أشهر تلك الأفكار البعيدة عن العقل والمنطق، هي القول بأن شهر فبراير كان في الأساس 29 يوماً، ولكن الأمبراطور الروماني أغسطس، أصدر أمراً بحذف يوماً من أيام ذلك الشهر ليضاف إلى شهر آخر، هو شخر أغسطس كي يطيل مُدة الشهر الحامل لاسمه، ولكن كثير من المؤرخون رفضوا ذلك القول وأنكروا تلك الواقعة، وقالوا أن دراسة التاريخ لم توصلهم إلى أمر واحد يشير إلى ذلك، كما أن طبيعة شخصية أغسطس كما عرفناها من الوثائق التاريخية، لا تشير إلى أنه ينتمي إلى ذلك النوع المصاب بجنون العظمة، والذي قد يُقدم إلى إحداث اضطراباً بمنظومة التقويم بالكامل، فقط كي يشبع غروره ويحقق مجداً شخصياً.

كذلك بعض الروايات تشير إلى تشاؤم الرومان من ذلك الشهر، ولذلك سعوا بقدر الإمكان إلى الخلاص منه سريعاً، ولهذا قللوا من عدد أيامه كي يخلصوا إلى شهر مارس، كان للرومان عقائد عديدة غريبة، الأمر الذي دفع كثيرون إلى الاعتقاد بصحة تلك الرواية، ولكنها في النهاية قد تكون عامل ثانوي أدى إلى تقليص مدة شهر فبراير ،بينما العامل الأساسي يتمثل في محاولة ضبط سياق المسار الزمني للعام.

Exit mobile version