الرئيسية الفن لماذا فن الباليه من أعرق الفنون؟ كيف نشأ وتطور؟

لماذا فن الباليه من أعرق الفنون؟ كيف نشأ وتطور؟

0

يعتبر فن الباليه في الزمن المعاصر أحد أرقى وأفضل وأشهر أنواع الفنون، ويتمتع هذا الفن الراقص بشعبية كبيرة على الرغم من أنه ينتمي إلى مجموعة الفنون التي يستمتع بها فقط من يمتلكون ذائقة فنية خاصة، وهو في ذلك يتشابه مع الفن التشكيلي وفن الأوبرا وهي الألوان الفنية غير الشائعة على نقيض السينما والغناء والرواية. ويصف المتخصصون بالمجال الفني فن الباليه بأنه أحد أعرق الأنماط الفنية، فترى لماذا ؟ ومتى ظهر هذا النمط الفني البديع وما مراحل التطور التي مر بها على مدار تاريخه؟

تاريخ فن الباليه ومراحل التطور التي مر بها :

هناك اعتقاد شائع بأن فن الباليه أحد الأنماط الفنية الحديثة نسبياً لكن المتخصصين بالمجال يؤكدون على أن دراسة التاريخ تخبرنا بأن الحقيقة على النقيض تماماً من ذلك، وأن رقص الباليه أحد أعرق وأقدم الفنون التي عرفتها الحضارات الإنسانية وللتيقن من ذلك علينا الرجوع لتاريخ هذا الفن والتعرف على أهم مراحل التطور التي مر بها.

فن الباليه في العصر الفرعوني :

من الأمور العجيبة أن جذور فن الباليه تعود إلى العصر الفرعوني، حيث أظهرت النقوش والقطع الأثرية أن القدماء المصريين كانوا يمارسون فناً راقصاً أشبه بصورة كبيرة برقص الباليه، حيث كان يعتمد على أداء المجموعات حركات إيقاعية مُتناغمة مع الإيقاع الموسيقي المُصاحب.

بطبيعة الحال كانت تلك العروض الفنية الراقصة تختلف بصورة كبيرة عن طبيعة فن الباليه المعاصر والذي نشاهده في الوقت الحالي، لكن الخبراء بهذا المجال الفني رأوا أنها كانت تمثل البذرة الأولى لهذا النمط الفني الاستعراضي، وتشير النقوش إلى أن القدماء المصريين قد بدأوا في تقديم هذا الفن عام 2500 ق.م وفقاً لما تثبته النقوش التي يعود تاريخها إلى عصر الأسرة الخامسة.

فن الباليه في عصر النهضة :

كانت الفنون على اختلاف أنواعها أحد الركائز الأساسية التي قامت عليها الحركة الثقافية الأوروبية بداية من القرن الرابع عشر الميلادي وحتى القرن السابع عشر والتي تعرف باسم عصر النهضة، تلك الفترة شهدت بزوغ نجم عدد كبير من كبار العلماء والمفكرين والفلاسفة وأهل الفن أبرزهم ليوناردو دا فينشي، كما شهدت تلك الفترة استحداث أنماط جديدة من الفنون وكان من بينها فنون الرقص الإيقاعي أو ما عُرف فيما بعد بمسمى فن الباليه

يمكن القول بأن أول ظهور لرقص الباليه كان في دولة إيطاليا، ليس فقط لأن زاد الاهتمام بالفنون بتلك الفترة، إنما لأن طبقة الوجهاء والارستقرطيون اتخذوا من الفن مظهراً للتباهي ووسيلة للترفيه وانفقوا مبالغ طائلة من أجل تطوير الفنون، وبناء على ذلك ظهر فن الباليه في القصور الإيطالية حيث كانت تقدم عروضه الفنية في ليالي الاحتفالات العامة والخاصة.

عرض الباليه الأشهر بعصر النهضة

يمثل عام 1489 نقطة فاصلة في تاريخ فن الباليه الراقص وذلك لأن هذا العام شهد تنظيم أول وأكبر عرض فني للباليه، هو الأقرب للأسلوب الفني الذي تقدم به العروض الفنية من هذا النوع في زمننا المعاصر، وكان ذلك ضمن فعاليات حفل زفاف دوق ميلانو، حيث تم تكوين فريقاً من أمهر الراقصين وتم تصميم عرضاً خاصاً ومطولاً لتلك المناسبة.

حقق العرض الاستعراضي نجاحاً ساحقاً ورغم أن حفل الزفاف تضمن فقرات متعددة ومتنوعة إلا أن هذا العرض ظل لصيقاً بأذهان الحضور، مما يعني أن الباليه اكتسب المزيد من الشعبية بين أبناء الطبقة الارستقراطية وبالتالي زادت درجة الاهتمام به، وكان هذا العرض سبباً في استحداث وظيفة جديدة في القصور وهي “مدرب الرقص”.

انتقال فن الباليه إلى فرنسا

تحولت عروض فن الباليه إلى أحد المراسم الأساسية في حفلات الزفاف الكبرى في إيطاليا ونتيجة لذلك تزايدت أعداد الراقصين ومدربي ومصممي الرقصات، وهو ما ساهم في تطور هذا الفن الإيقاعي بصورة كبيرة خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً، واستمر الأمر على هذا الوضع لفترة طويلة وتحديداً حتى القرن الخامس عشر الميلادي.

حضر الملك الفرنسي تشارلز الثامن إلى إيطاليا خلال هذا القرن وشاهد عروض الباليه للمرة الأولى وأصابه الأمر بالذهول، وبناء على ذلك قام بنقل هذا اللون الفني إلى بلاده وخلال سنوات قليلة كان فن الباليه قد انتشر في فرنسا بنفس درجة انتشاره في إيطاليا، ولم يكتف الفرنسيون بتقليد الفنانيين الإيطاليين فحسب، بل أنهم حرصوا على إضافة لمستهم الخاصة على العروض الراقصة وهو ما أدى إلى تطور هذا الفن أكثر وأكثر.

أول مسرحية باليه كبرى

استفاد الفرنسيون من الخبرة الإيطالية وعملوا معاً على تطوير فن الباليه وتقديمه بأساليب جديدة ومبتكرة عما كان يقدم في القصور الإيطالية، ومن هنا جاءت فكرة تضمين قصة درامية إلى العرض الراقص، أي أن الباليه لم يعد يقتصر على تصميم حركات إيقاعية تتناغم مع المعزوفات الموسيقية فحسب، بل صار يروي قصة من البداية للنهاية وهو الأمر المتعارف عليه حتى اليوم.

كان أول عرض باليه ذو طابع مسرحي يعتد به في عام 1581، حيث تم تقديم عرضاً خاصاً بمناسبة زفاف شقيقة الملكة الفرنسية، وحمل هذا العرض عنوان “الباليه الكوميدي للملكة”، وهو العرض الذي تم استقدام مؤلف موسيقي ومصمم استعراضات إيطالي خصيصاً للإشراف عليه، وقد كان العرض -كما وصفه المؤرخون- مبهراً ورائعاً ومنذ ذلك الحين أصبحت عروض الباليه أحد المراسم الرئيسية التي تتضمنها الاحتفالات المختلفة داخل القصور الفرنسية، ويقال أن الملك لويس الرابع عشر كان عاشقاً لهذا النوع الفني، حتى أنه شارك بنفسه في بعض العروض الراقصة -حوالي 26 عرضاً- وأحضر ثلاثة من كبار أساتذة الفنون لتدريبه على أداء الحركات، ويقال أيضاً أنه بمعاونتهم قام باستحداث أسلوباً جديداً للرقص الإيقاعي.

أول مدرسة في تاريخ فن الباليه

نقطة التحول الأبرز في تاريخ فن الباليه كانت في عام 1661 حيث صدر أمر ملكي بتأسيس أول مدرسة رسمية متخصصة في تدريس فن الباليه، والتي حملت اسم معهد الرقص الملكي، ومن هنا اتخذ الباليه شكل أكاديمي وأصبح أكثر نضجاً، حيث تم تحديد معايير للحركات وتصميم العروض وساهم هذا كله في الارتقاء أكثر بـ فن الباليه وأصبحت عروضه أكثر روعة وإبداعاً، كما كانت المدرسة المتخصصة سبباً مباشراً في تخلص الباليه من مجموعات الهواة وتخريج فرق من المحترفين.

الانتقال من الخاص للعام

خلال القرن السابع عشر تعاظمت شعبية فن الباليه واكتسب المزيد من الشهرة وبناء على ذلك انتقل من العروض الخاصة التي تقام داخل القصور ويشاهدها فئة قليلة، إلى العروض العامة المتاحة لجميع الفئات والطبقات في أوروبا، حيث صارت تقدم عروض الباليه الفنية على المسارح العامة، ولكن في تلك الفترة كانت الفرق الاستعراضية تتكون من الرجال فقط.

في عام 1681 ظهرت أول راقصة باليه في التاريخ وهي الباليرينا جيان فاندن حيث شاركت في مسرحية استعراضية بعنوان نصر الحب، وقد كانت بطلة رئيسية لها وحقق العرض نجاحاً كبيراً فتح الباب على مصراعيه أمام هواة الرقص الأخريات، وبهذا وصل فن البالية لأقصى درجات نضجه، وظل منذ ذلك الحين وحتى الآن محافظاً على مكانته باعتباره أحد أشهر وأفضل وأرقى أنواع الفنون على الإطلاق.

Exit mobile version