الرئيسية الفلسفة لماذا لا يستطيع أي شخص حتى الآن وضع تعريف الحب بشكل حاسم؟

لماذا لا يستطيع أي شخص حتى الآن وضع تعريف الحب بشكل حاسم؟

0

لهذا أهل الحب صحيح مساكين لأنهم لا يدركون تعريف الحب ولا يستطيعون الوقوف على كنهه ولا وصف الشعور الذين يشعرون به تجاه الآخرين والذي يسمونه الحب، ولأن الحب شيء زئبقي غير متماسك وليس له جسم ثابت ولا كتلة ولا وزن ولا نمط ولا أي شيء فإن الناس يظلون يختلفون عليه إلى يوم الدين وكل شخص سيقوم بتعريفه ويمسك هذا التعريف ويقول أنا أؤمن بهذا التعريف ويجري به فرحا وهو يقبض عليه وفجأة يفتح يده ليجده قد تسرب من يده كما تتسرب الماء من اليد المنقبضة، فما السر وراء عدم إدراك أي تعريف للحب حتى الآن؟ لماذا يقف كل العلماء والفلاسفة عند الحب ويصابون بالعجز؟ هل هو معنى مجرد؟ ألسنا عرفنا العنصرية والطائفية والحزن والفجيعة والانقباض والانبساط وأشياء من هذا القبيل؟ فلم نقف عاجزين أمام تعريف الحب؟ في المقال التالي لن نقوم بتعريف الحب ولكن سنجيب عن تساؤل لماذا لا نستطيع تعريف الحب .

تعريف الحب بشكل علمي

لو قمنا بالبحث عن تعريف الحب بشكل علمي فلن نجد أن العلم قد قام بتعريف الحب على أسس علمية، العلم فقط حسب دراساته التحليلية والتجريبية يتحدث عن تأثير الحب على الإنسان حيث يصف الحالة التي يكون فيها الإنسان حينما يقع في الحب من خلال الهرمونات التي يفرزها الجسم عند الحب وما يحدث لخلايا المخ والدوائر العصبية في المخ وأشياء من هذا القبيل، أي أن العلم يصف الأعراض التي يتعرض لها الإنسان حين يقع في الحب والآثار الجانبية على الجسم للحب، لكن وضع تعريف جاد وشمولي للحب مبني على أسس علمية فهذا ما عجز عنه العلم تماما، فضلا عن أنها ليست وظيفته.

تعريف الحب في الموسيقى

بالنسبة للموسيقى فيتحدث المغنون أيضًا عن آثار الحب وليس عن تعريف الحب ويصفون الحب الذين في قلوبهم تجاه من يحبونهم وليس عن الحب بشكل عام، ولم يجرؤ أحد من المغنيين بشكل عام على وضع صيغة حاسمة للحب في أغانيه بشكل عام ومطلق، وحتى الآن لم أسمع أي أغنية بها تعريف للحب إلا أن السيدة أم كلثوم فاجأت العالم بأكمله وأتت بما لم يستطع الأوائل ووضعت تعريف للحب في أغنية من تأليف الشاعر عبد الفتاح مصطفى وتلحين رياض السنباطي وهي أغنية “ليلي ونهاري” حيث تقول في تعريف الحب كأنها تقرأ مقرر مدرسي “الحب هو الود والحنية” إذن تقصر أم كلثوم الحب على أنه الود والحنان بين المحبين. عموما هذا تعريف يفتقر لكثير من التفصيل لكن أعتقد هو تعريف الحب الوحيد في الغناء حتى الآن.

تعريف الحب في السينما

تصور الأفلام في السينما على الدوام قصص الحب في ظروف ومواضع مختلفة وسياقات متعددة وتحاول أن ترصد الحب وهو يتولد في أقسى وأحلك الظروف وفي أحداث غريبة وحالات لا تخطر على بال أحد ورغم ذلك يأتي على لسان الأبطال تعريفات للحب وعلى الرغم من أنها تكون متماسكة وبصيغة رنانة نوعا ما وبأداء مسرحي إلا أنها تظل ملتصقة بالقصة صانعة معها خصوصية ما لأنها خارجة من رحم الأحداث التي يرويها الفيلم ولا يمكن إطلاقها بشكل سائد على عموم قصص الحب إلا أنها تظل اجتهادات محمودة رغم ذلك ففي فيلم love story على سبيل المثال يقول أحد الأبطال في تعريف الحب أن الحب هو ألا نضطر للاعتذار مطلقا. وهكذا يرى الفيلم أن الحب طاقة كبيرة للغفران بينما يرى أحمد زكي في فيلم موعد على العشاء محادثا سعاد حسني قائلا أنه لا يعرف ما هو الحب ولكن إن كان الحب هو الذي يجعلني سعيدا حينما أراكِ إذن أنا أحبك. وبهذا يضع الفيلم تعريفا للحب بأنه الشعور بالسعادة حين ترى شخص ما، وهذا أبسط تعريف للحب عموما.

تعريف الحب في الأدب والفلسفة

على الرغم من أن الشعر العربي يحفل بالأبيات التي تشبه الحكمة إلا أن كلها كانت تتحدث حول حالات معينة في الحب أيضًا دون تعريف الحب بشكل مباشر حيث قال أبو تمام: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول. وعن الطبيعة المتناقضة للحب يقول الشريف الرضي: أنت العذاب لقلبي والنعيم له :: ما أمرك في الحب وما أحلاك.

أما الأدباء والفلاسفة فيقول كامل الشناوي مثلا في تعريف الحب والحياة أن الحب جحيم لا يطاق والحياة بدون حب نعيم لا يطاق. الفلاسفة أيضًا لهم نصيب في الأمر فيقول أفلاطون أن الحب أعمى بحيث لا يرى العاشق في معشوقه أي عيوب بل حين يراها لا يبصرها إلا مميزات، ويتفق معه شكسبير في الخطوط العريضة ولكنه يرى الحب جنون. أما شوبنهاور فيقول أن الحب وردة والمرأة شوكتها، ويقلب فرويد الطاولة كعادته ويرد كل الأمور لأصل فلسفته التي زلزل بها العالم حين يقول أن الحب ناتج عن العقد النفسية في الطفولة ويفسر بنظريته بأن الرغبة الجسدية هي دافع الرغبة العاطفية وبالتالي ما الحب إلا رغبة جسدية مقنّعة فحسب.

لماذا نفشل في تعريف الحب ؟

والآن نأتي لموضوع المقال الأهم والجوهري وهو لماذا نفشل في كل مرة نضع فيه تعريفا للحب، الإجابة يمكن أن نفرد فيها مجلدات كاملة ولكن من خلال ما سبق عن تعريفات للحب من منطلقات علمية أو شاعرية أو غنائية أو فلسفية فسنلخصها في نقطتين:

الحب له عدة جوانب

لا يمكن أن ننظر للحب من جانب واحد لأن الحب من جانب واحد ممكن أن نضع له تعريف ولكن الحب له عدة جوانب ولا يمكننا الإحاطة بكافة جوانبه بالتالي كل شخص يقف من جانبه ويعرف الحب كما يراه من زاويته ومن خلال رؤيته وبالتالي كل التعريفات التي سقناها سابقا وهي غيض من فيض يمكن أن تنطبق على الحب وكل تعريف لا يناقض الآخر، نعم الحب هو كل هذا وفي نفس الوقت ليس شيئًا من هذا، الحب له ملابس عديدة ولكن بدنه ليس هذه الملابس، ولا يمكن لأي شخص أن يقول أن هذا هو الحب، ولكن يمكن أن يقول هذا هو الحبيب.

الحب تجربة شخصية

الحب تجربة شخصية بحتة، ولو أتينا بكل شخص وضع نفسه في تجربة عاطفية أو وجد نفسه في قصة حب وقلنا له أن يصيغ تعريف الحب من وحي تجربته الشخصية لوضع تعريفا مختلفا عن الآخر، يمكن أن يكون هناك تعريفات مختلفة وفي نفس الوقت تتفق في الخطوط العريضة لكن في النهاية كل شخص يصطبغ تعريفه للحب بصبغة تجربته الشخصية وما رآه فيها، بالتالي يمكن أن يقول أي شخص لقد رأيت في الحب كذا، وما فعله بي الحب كذا، وبالتالي الحب بالنسبة لي كذا، ويكون صادقا في كلامه أيضًا لكن لا يمكن أن نعتمد كلامه كتعريف للحب.

أعتقد أن تعريف الحب شيء من المستحيل وضعه ولولا تعدد جوانب الحب وعدم تماسكه وكونه موضوعا ثريا لأنه يجمع ما بين عدة أمور تحت مظلة واحدة، فإننا نستطيع أن نتحدث فيه حتى نهاية الكون دون أن ينضب. وهناك مقولة قالتها لي صديقة من قبل حينما كنت أحدثها عن أن حياة الإنسان كلها بلا قيمة وما من شيء يستطيع إكسابها القيمة المُرضية، فردت علي وقالت: الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكسب حياة الإنسان قيمة، هو أن يقع في الحب.

Exit mobile version