مما لا شك فيه أن تغيير كسوة الكعبة تُعتبر شعيرة من الشعائر الكبرى التي يقوم بها المسلمين في واحد من المواسم العظيمة، وهو موسم الحج، حيث يهرع الحجاج من كل زمان ومكان إلى الكعبة من أجل تأدية مراسم الحج بالقرب من ذلك البناء الذي يُعتبر بيت الله على الأرض، ذلك البيت الذي تم بناءه قبل آلاف السنين ولا يزال قائمًا وصامدًا كما هو أمام كيد الأعداء، وهذا طبعًا بسبب وعد الله لعباده بأن يتم حفظ بيته حتى قيام الساعة، والحقيقة أن ذلك البناء، والذي نعرفه باسم الكعبة، لم يكن من الممكن أبدًا أن يبقى مجرد بناء عاري للأبد، ولهذا تم التفكير في وضع الكسوة السوداء عليه، تلك الكسوة التي أصبح تُصنع الآن خصيصًا من ماء الذهب الخالص ويتفنن الناس في إخراجها على أكمل وجه ممكن، لكن السؤال الذي يدور في أذهان البعض الآن، لماذا تأخذ كسوة الكعبة اللون الأسود فقط؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه سويًا من خلال السطور القادمة.
ما هي الكعبة؟
قبل أن نتعرف على موضوعنا، وهو كسوة الكعبة وأسباب اختيار لونها، علينا أولًا بالتأكيد التعرف على شيء لا يقل أهميةً عن ذلك، وهو الكعبة نفسها، فالكثير من المسلمين ربما يسمعون ذلك الاسم دائمًا لكنهم لا يعرفون الكثير عنه أو كيف أصبح قائمًا كأحد أهم الأماكن الإسلامية التي يهرول إليها الناس، فالكعبة هي ذلك البناء الذي بُني على شكل مكعب، وهذا أمر طبعًا يتضح من الاسم، كما أنها تسمو وتعلو وتكعب على كل شيء، عمومًا الشكل المكعب الذي يأخذه ذلك البناء هو الأصل في التسمية بلا أدنى شك.
تتواجد الكعبة في مكة الشريفة، أو شبه الجزيرة العربية، وتحديدًا في قلب المسجد الحرام، وتقريبًا تأخذ من الارتفاع ما يعادل الخمسة عشر مترًا، أما الطول فهو حوالي اثنا عشر مترًا، لكن الأهم من معرفة الطول والعرض والارتفاع والمكان هو معرفة البناة الحقيقين للكعبة، وهو الأمر الذي اختُلف فيه كثيرًا بكل تأكيد.
من بنى الكعبة؟
في الحقيقة إن الاختلاف على لون كسوة الكعبة وسبب اختياره لا يُعد شيئًا أمام الاختلاف على باني الكعبة المُطهرة، فقد اختلفت الروايات حول هذا الأمر اختلافًا كبيرًا، طبعًا مع التأكيد على أن الكعبة تم بناءها وهدمها أكثر من اثنتي عشرة مرة، فقدسية الكعبة في الأصل تكمن في مكانها وليس في الأحجار التي بُنيت منها، عمومًا، يُقال أن أول من بنى الكعبة هم الملائكة عليهم السلام، حيثُ يقال أنهم أرادوا بناء مكان في الأرض يعبدون الله من خلاله فكانت الكعبة، ويُقال أيضًا أن سيدنا أدم لما نزل على الأرض قام ببناء الكعبة وعبد الله من خلالها، لكن القول الأشد ترجيحًا هو من قال بأن من بنى الكعبة هو نبي الله إبراهيم عليه السلام.
أمر الله نبيه إبراهيم ببناء بيت يأتي إليه الناس ويعبدونه من خلاله، فقام سيدنا إبراهيم على الفور ببناء الكعبة ودعا الناس إليها كما أمره الله، وطبعًا كلنا نعرف الآيات التي تأمر النبي إبراهيم بأن يؤذن من أجل الحج، والآيات التي تدل على تعجب النبي من هذا الأمر وتأكيد الله له بأنه فقط عليه النداء وعلى الله الإبلاغ، وطبعًا ذلك الخلاف الذي نتحدث عنه كله يتمحور حول أول من وضع حجر الأساس في ذلك البناء الطاهر للأبد.
الأشياء التي تتكون منها الكعبة
كسوة الكعبة في الحقيقة ما هي إلا واحدة من الأشياء الكثيرة التي تتكون منها الكعبة، والتي يجب أن نكون على علم بها جميعًا لأننا كما ذكرنا نتحدث عن أعظم بناء على وجه الأرض، والحقيقة أن المكونات الأساسية لهذا البناء تبدأ بالحجر الأسود، والذي ذكرت عليه الكثير من القصص منها ما كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام بطلًا لواحدة منها، حيث كانت قبائل مكة تتنازع فيما بينها أيهم يحوز شرف حمل الحجر، وانتهى الأمر في النهاية بان اقترب النبي أن تحمله جميع القبائل على قطعة من القماش وتضعه معًا في موضعه.
أيضًا من ضمن المكونات الرئيسية مقام النبي إبراهيم عليه السلام، والذي كان عيد الأضحى الذي يحدث فيه الحج واحدة من نتائج قصته مع ابنه إسماعيل، قصة التضحية الشهيرة، وهناك كذلك حجر النبي إسماعيل وسدانة الكعبة، أما الشيء الأخير، وهو الذي نتناوله الآن في موضوعنا، فهو كسوة الكعبة، ذلك الرداء الذي ترتديه الكعبة للحجاج وكل من يرغبون في رؤيتها، فما هي يا تُرى قصة تلك الكسوة؟
كسوة الكعبة
تعريف كسوة الكعبة في الحقيقة ليس تعريفًا جامدًا، فكل كسوة، أو قطعة من القماش، يُمكن أن توضع على بناء الكعبة يُمكن اعتبارها كسوة، وقد كان هذا الأمر قديمًا هو الدرج، فلم يكن ثمة كسوة مُحددة، لكن مؤخرًا أصبحت الكسوة علم بشكلها الأسود وماء الذهب الموجود عليها، والحقيقة أنه لا أحد يعرف بالضبط متى بدأت تلك الكسوة توضع على الكعبة، لكن من المعروف أنها توضع منذ زمن بعيد، وقد حصل الاهتمام الشديد بها مؤخرًا بعدما تزايدت أعداد المسلمين وأصبح الحج تجارة بالنسبة للدول المستضيفة له، حيث أنه يدر لهم الكثير من الأموال، لذلك من البديهي أن يتم الاهتمام بكل شيء، بما في ذلك كسوة الكعبة.
تصنيع كسوة الكعبة
في الحقيقة ربما يدور في أذهان بعضكم الآن أننا عندما نتحدث عن صناعة كسوة الكعبة فنحن نتحدث عن مصانع تُسهم في ذلك العمل، لكن الواقع أن أهمية كسوة الكعبة جعلت من وجود مصنع مخصص لصناعة تلك الكسوة بالذات أمر شبه بديهي، حيث أنه ثمة مصنع في المملكة العربية السعودية يُعرف باسم مصنع تصنع كسوة الكعبة، وفي ذلك المصنع تُقام جميع مراحل الصناعة على مستوى من الجودة، فمثلًا تبدأ المراحل باختيار القماشة، وفي تلك المراحل يتم وضع عدة معايير للقماشة تجعلها من أفضل أنواع الأقمشة الموجودة في العالم، وطبعًا يتم نسيج كسوة الكعبة خصيصًا.
في المرحلة التالية تكون الطباعة حاضرة، حيث يتم طباعة بعض العبارات الدينية والآيات القرآنية، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التطريز، ويتم ذلك باستخدام ماء الذهب، وكل هذه الخطوات تتم كما ذكرنا في مصنع بالمملكة العربية السعودية، ثم بعد الانتهاء يحدث الاحتفال الكبير ويتم خلاله تسليم الكسوة للمسئول، كما يُراعى كذلك أن يتم وضع كيس صغير يتم تخصيصه لحفظ مفتاح الكعبة، إنه خطوات شاقة بالتأكيد، لكن الكعبة تستحق ذلك وأكثر.
من يغير لباس الكعبة؟
مما لا شك فيه أن عملية تغيير كسوة الكعبة واحدة من العمليات الهامة التي يسعى كل مسلم للحصول على شرفها، لكن من يقوم بذلك في الحقيقة المسئولون في مجلس شئون المسجد الحرام، فتغيير كسوة الكعب أمر ليس بالسهولة التي ربما نتخيلها، وإنما هو أمر صعب، وخاصةً في مرحلة تغيير الجزء الأمامي الذي يقع عند الباب، والواقع أن عملية تغيير كسوة الكعبة تُبث عبر الهواء مباشرة من قِبل كافة المحطات العالمية والصحف ووكالات الأنباء، فهذا الحدث ربما لا يحدث سوى مرة واحدة في العام، كما أنه في الأساس يمتلك كل الأسباب التي تجعله حدث جدير حقًا بالاهتمام.
أين يذهب ثوب الكعبة القديم؟
سؤال هام آخر ربما يشغل الكثيرين، وهو ما الذي يحدث عندما يتم استبدال الثوب القديم بالجديد؟ والحقيقة أن السلطات السعودية بعد أن تُزيل الثوب القديم وتضع الجديد في موضعه فإنه تأخذه وتقوم بتفكيكه على يد فريق من المفترض أنه مُتخصص في هذا الأمر، هذا الفريق بعد أن يقوم بتفكيك كسوة الكعبة يرده مرة أخرى إلى السلطات السعودية التي تقوم بدورها بعمل حفل لتوزيع أجزاء الكسوة على كبار الحجاج وأشراف شبه الجزيرة العربية السعودية بصورة عامة، وطبعًا من كل ما مضى يتضح أن السعودية، أو الحكومة السعودية تحديدًا، تُسيطر على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بهذا الثوب، بل لن نبالغ إذ نقول أنها تتحكم في الكعبة بأكملها، ولا نقول أنه تحكم سيء، لكننا نعني بذلك أنه لا شيء يحدث في الكعبة شريفة دون أن تكون السعودية على علم به وموافقة عليه، وهذا هو التكريم الحقيقي لخروج النبي محمد من بينهم.
لماذا كسوة الكعبة سوداء؟
الآن يأتي دور سؤال هام جدًا بالنسبة للبعض، وهو عن الكسوة، وكيف أنها سوداء اللون، وربما يكون الأمر بسيطًا بالنسبة للبعض إلا أنه في الحقيقة محل خلاف، فهناك الكثير من الألوان على هذه الأرض، لماذا إذًا يتم اختيار الأسود على وجه التحديد، وطبعًا هذا الأمر يأتي لأسباب، على رأسها مثلًا مطابقة الأسود للعين.
مطابقة الأسود للعين
طبعًا جميعنا يعرف أن اللون الأسود واللون الأبيض لونين يمتازان عن كافة الألوان في أمر هام جدًا وفارق، وهو أنهما يكونان شديدان الوضوح في أي مكان، وإذا راعينا الضوء والمصابيح فسوف نجد أن اللون الأسود يمتاز عن اللون الأبيض في تميزه ووضوحه، ولهذا فإنه من المنطقي جدًا أن يتم اختيار اللون الأسود كي يكون لونًا لكسوة الكعبة الشريفة.
الأسود يدل على الوقار
من الألوان التي تدل على الوقار والاحترام اللون الأسود، لذلك فإنه في حالة الحزن ووجود حالة وفاة أو ما شابه فإن الوقار الموجود في هذا المكان سوف يُحتم على من يرتدي الملابس أن يكون لونها أسود حتى يتماشى مع الحالة العامة والوقار المطلوب، ولهذا فإن اختيار اللون الأسود جاء من مبدأ منحه وقارًا شديدًا للكعبة.
سنة عن النبي
هناك رأي ضعيف جدًا يكاد يكون يغير صحيح يقول إن كسوة الكعبة في الأصل سنة عن النبي، وأنه أول من وضعها بهذا اللون، لكن البعض أثبت أن هذا القول ليس صحيحًا، بل إن النبي كان يضع كسوة الكعبة من ألوان الأبيض والأحمر، وهي ألوان يمنية معروفة لكسوة الكعبة، أما الخليفة المأمون بعد ذلك فقد قام بوضع كسوة الكعبة من اللون الأحمر فقط، وأحيانًا الأبيض فقط، ولو كانت سنة أن يكون اللون الرسمي للكعبة هو الأسود لما قام المأمون بمخالفته.
في النهاية يُمكننا القول أن لون كسوة الكعبة ليس أمرًا إلهيًا أو حتى نبوي، فلم يصدر نص من النصوص يُحدد اللون المطلوب، وإنما من يُحدده هم القائمون على الأمر، وفي الآونة الأخيرة أصبح القائمون على الأمر هم مجموعة من السعوديين، وقد حددوا اللون الأسود وعملوا به.